واسطة مخلوق. ويبعد قوله من قال : إنها الزلزلة ، لأن الزلزلة ليس فيها حمل ، إنما هي اضطراب. والتشديد على أن تكون للتكثير ، أو يكون التضعيف للنقل ، فجاز أن تكون (الْأَرْضُ وَالْجِبالُ) المفعول الأول أقيم مقام الفاعل ، والثاني محذوف ، أي ريحا تفتتها أو ملائكة أو قدرة. وجاز أن يكون الثاني أقيم مقام الفاعل ، والأول محذوف ، وهو واحد من الثلاثة المقدرة. وثني الضمير في (فَدُكَّتا) ، وإن كان قد تقدمه ما يعود عليه ضمير الجمع ، لأن المراد جملة الأرض وجملة الجبال ، أي ضرب بعضها ببعض حتى تفتتت ، وترجع كما قال تعالى : (كَثِيباً مَهِيلاً) (١). والدك فيه تفرق الأجزاء لقوله : (هَباءً) (٢) ، والدق فيه اختلاف الأجزاء. وقيل : تبسط فتصير أرضا لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ، وهو من قولهم : بعير أدك وناقة دكاء إذا ضعفا ، فلم يرتفع سنامهما واستوت عراجينهما مع ظهريهما. (فَيَوْمَئِذٍ) معطوف على (فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ) ، وهو منصوب بوقعت ، كما أن إذا منصوب بنفخ على ما اخترناه وقررناه واستدللنا له في أن العامل في إذا هو الفعل الذي يليهما لا الجواب ، وإن كان مخالفا لقول الجمهور. والتنوين في إذ للعوض من الجملة المحذوفة ، وهي في التقدير : فيوم إذ نفخ في الصور وجرى كيت وكيت ، والواقعة هي القيامة ، وقد تقدم في (إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ) (٣) أن بعضهم قال : هي صخرة بيت المقدس.
(وَانْشَقَّتِ السَّماءُ) : أي انفطرت وتميز بعضها من بعض ، (فَهِيَ يَوْمَئِذٍ) انشقت ، (واهِيَةٌ) : ضعيفة لتشققها بعد أن كانت شديدة ، (أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ) (٤) ، أو منخرقة ، كما يقال : وهي السقاء انخرق. وقيل انشقاقها لنزول الملائكة ، قال تعالى : (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً) (٥). وقيل : انشقاقها لهول يوم القيامة. (وَالْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها) ، قال ابن عباس : على حافاتها حين تنشق ، والظاهر أن الضمير في حافاتها عائد على السماء. وقال ابن جبير والضحاك : على حافات الأرض ، ينزلون إليها يحفظون أطرافها ، وإن لم يجر لها ذكر قريب. كما روي أن الله تعالى يأمر ملائكة سماء الدنيا فيقفون صفا على حافات الأرض ، ثم ملائكة الثانية فيصفون حولهم ، ثم ملائكة كل سماء ، فكلما ندّ أحد من الجن والإنس وجد الأرض أحيط بها. (وَالْمَلَكُ) : اسم جنس يراد به الملائكة. وقال الزمخشري : فإن قلت : ما الفرق بين قولك : (وَالْمَلَكُ) ، وبين أن
__________________
(١) سورة المزمل : ٧٣ / ١٤.
(٢) سورة الواقعة : ٥٦ / ٦.
(٣) سورة الواقعة : ٥٦ / ١.
(٤) سورة النازعات : ٧٩ / ٢٧.
(٥) سورة الفرقان : ٢٥ / ٢٥.