قوله : لأنه كان سلطانا يتعظم على الناس ، فهذا قول ابن زيد وهو مرجوح ، والراجح قول ابن عباس ومن ذكر معه : أن السلطان هنا هو الحجة التي كان يحتج بها في الدنيا ، لأن من أوتي كتابه بشماله ليس مختصا بالملوك ، بل هو عام في جميع أهل الشقاوة.
(ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها) : أي قياسها ومقدار طولها ، (سَبْعُونَ ذِراعاً) : يجوز أن يراد ظاهره من العدد ، ويجوز أن يراد المبالغة في طولها وإن لم يبلغ هذا العدد. قال ابن عباس وابن جريج ومحمد بن المنكدر : بذراع الملك. وقال نوف البكالي وغيره : الذراع سبعون باعا ، في كل باع كما بين مكة والكوفة ، وهذا يحتاج إلى نقل صحيح. وقال الحسن : الله أعلم بأي ذراع هي. وقيل : بالذراع المعروف ، وإنما خاطبنا تعالى بما نعرفه ونحصله. وقال ابن عباس : لو وضع منها حلقة على جبل لذاب كالرصاص. (فَاسْلُكُوهُ) : أي أدخلوه ، كقوله : (فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ) (١) ، والظاهر أنه يدخله في السلسلة ، ولطولها تلتوي عليه من جميع جهاته فيبقى داخلا فيها مضغوطا حتى تعمه. وقيل : في الكلام قلب ، والسلسلة تدخل في فمه وتخرج من دبره ، فهي في الحقيقة التي تسلك فيه ، ولا ضرورة تدعو إلى إخراج الكلام عن ظاهره ، إلا إن دل الدليل الصحيح على خلافه. وقال الزمخشري : والمعنى في تقديم السلسلة على السلك مثله في تقديم الجحيم على التصلية ، أي لا تسلكوه إلا في هذه السلسلة ، كأنها أفظع من سائر مواضع الإرهاق في الجحيم. ومعنى ثم : الدلالة على تفاوت ما بين الغل والتصلية بالجحيم ، وما بينها وبين السلك في السلسلة ، لا على تراخي المدة. انتهى. وقد تقدم أن من مذهبه الحصر في تقديم المعمول ، وأما ثم فيمكن بقاؤها على موضوعها من المهلة الزمانية ، وأنه أولا يؤخذ فيغل. ولما لم يعذب بالعجلة ، صارت له استراحة ، ثم جاء تصلية الجحيم ، فكان ذلك أبلغ في عذابه ، إذ جاءه ذلك وقد سكنت نفسه قليلا ، ثم جاء سلكه بعد ذلك بعد كونه مغلولا معذبا في النار ، لكنه كان له انتقال من مكان إلى مكان ، فيجد بذلك بعض تنفس. فلما سلك في السلسلة كان ذلك أشد ما عليه من العذاب ، حيث صار لا حراك له ولا انتقال ، وأنه يضيق عليه غاية ، فهذا يصح فيه أن تكون ثم على موضوعها من المهلة الزمانية.
(إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ) : بدأ بأقوى أسباب تعذيبه وهو كفره بالله ، وإنه تعليل مستأنف ، كأن قائلا قال : لم يعذب هذا العذاب البليغ. وقيل : (إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ) ، وعطف (وَلا
__________________
(١) سورة الزمر : ٣٩ / ٢١.