يَحُضُ) على (لا يُؤْمِنُ) داخل في العلة ، وذلك يدل على عظم ذنب من لا يحض على إطعام المسكين ، إذ جعل قرين الكفر ، وهذا حكم ترك الحض ، فكيف يكون ترك الإطعام؟ والتقدير على إطعام طعام المسكين. وأضاف الطعام إلى المسكين من حيث لم ينسبه إليه ، إذ يستحق المسكين حقا في مال الغني الموسر ولو بأدنى يسار ؛ وللعرب في مكارمهم وإيثارهم آثار عجيبة غريبة بحيث لا توجد في غيرهم ، وما أحسن ما قيل فيهم :
على مكثريهم رزق من يعتريهم |
|
وعند المقلين السماحة والبذل |
وكان أبو الدرداء يحض امرأته على تكثير الرزق لأجل المساكين ويقول : خلعنا نصف السلسلة بالإيمان ، أفلا نخلع نصفها الآخر؟ وقيل : هو منع الكفار. وقولهم : (أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ أَطْعَمَهُ) (١) ، يعني أنه إذا نفى الحض انتفى الإطعام بجهة الأولى ، كما صرح به في قوله تعالى : (لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ) (٢). (فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هاهُنا حَمِيمٌ) : أي صديق ملاطف وادّ ، (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) (٣). وقيل : قريب يدفع عنه. (وَلا طَعامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ) ، قال ابن عباس : هو صديد أهل النار. وقال قتادة وابن زيد : هو والزقوم أخبث شيء وأبشعه. وقال الضحاك والربيع : هو شجر يأكله أهل النار. وقيل : هو شيء يجري من أهل النار ، يدل على هذا قوله في الغاشية : (لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ) (٤) ، فهما شيء واحد أو متداخلان. قيل : ويجوز أن يكونا متباينين ، وأخبر بكل واحد منهما عن طائفة غير الطائفة التي الآخر طعامها ، وله خبر ليس. وقال المهدوي : ولا يصح أن يكون هاهنا ، ولم يبين ما المانع من ذلك. وتبعه القرطبي في ذلك وقال : لأن المعنى يصير ليس هاهنا طعام إلا من غسلين ، ولا يصح ذلك لأن ثم طعاما غيره ، وهاهنا متعلق بما في له من معنى الفعل. انتهى. وإذا كان ثم غيره من الطعام ، وكان الأكل غير أكل آخر ، صح الحصر بالنسبة إلى اختلاف الأكلين. وأما إن كان الضريع هو الغسلين ، كما قال بعضهم ، فلا تناقض ، إذا المحصور في الآيتين هو شيء واحد ، وإنما يمتنع ذلك من وجه غير ما ذكره ، وهو أنه إذا جعلنا الخبر هاهنا ، كان له واليوم متعلقين بما تعلق به الخبر ، وهو العامل في هاهنا ، وهو عامل معنوي ، فلا يتقدم معموله عليه. فلو كان العامل لفظيا جاز ، كقوله تعالى : (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) (٥) ، فله متعلق بكفوا وهو خبر ليكن.
__________________
(١) سورة يس : ٣٦ / ٤٧.
(٢) سورة المدثر : ٧٤ / ٤٤.
(٣) سورة الزخرف : ٤٣ / ٦٧.
(٤) سورة الغاشية : ٨٨ / ٦.
(٥) سورة الإخلاص : ١١٢ / ٤.