قد أجيبت. وما زائدة للتوكيد ؛ ومن ، قال ابن عطية : لابتداء الغاية ، ولا يظهر إلا أنها للسبب. وقرأ عبد الله : من خطيئاتهم ما أغرقوا ، بزيادة ما بين أغرقوا وخطيئاتهم. وقرأ الجمهور : (أُغْرِقُوا) بالهمزة ؛ وزيد بن عليّ : غرقوا بالتشديد وكلاهما للنقل وخطيئاتهم الشرك وما انجر معه من الكبائر ، (فَأُدْخِلُوا ناراً) : أي جهنم ، وعبر عن المستقبل بالماضي لتحققه ، وعطف بالفاء على إرادة الحكم ، أو عبر بالدخول عن عرضهم على النار غدوّا وعشيا ، كما قال : (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها) (١). قال الزمخشري : أو أريد عذاب القبر. انتهى. وقال الضحاك : كانوا يغرقون من جانب ويحرقون بالنار من جانب.
(فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْصاراً) : تعريض بانتفاء قدرة آلهتهم عن نصرهم ، ودعاء نوح عليهالسلام بعد أن أوحى إليه أنه (لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ) (٢) ، قاله قتادة. وعنه أيضا : ما دعا عليهم إلا بعد أن أخرج الله كل مؤمن من الأصلاب ، وأعقم أرحام نسائهم ، وهذا لا يظهر لأنه قال : (إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ) الآية ، فقوله : (وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً) يدل على أنه لم يعقم أرحام نسائهم ، وقاله أيضا محمد بن كعب والربيع وابن زيد ، ولا يظهر كما قلنا ، وقد كان قبل ذلك طامعا في إيمانهم عاطفا عليهم. وفي الحديث : «أنه ربما ضربه ناس منهم أحيانا حتى يغشى عليه ، فإذا أفاق قال : اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون». وديارا : من ألفاظ العموم التي تستعمل في النفي وما أشبهه ، ووزنه فيعال ، أصله ديوار ، اجتمعت الياء والواو وسبقت إحداهما بالسكون فأدغمت ؛ ويقال : منه دوّار ووزنه فعال ، وكلاهما من الدوران ، كما قالوا : قيام وقوام ، والمعنى معنى أحد. وعن السدّي : من سكن دارا. وقال الزمخشري : وهو فيعال من الدور أو من الدار. انتهى. والدار أيضا من الدور ، وألفها منقلبة عن واو. (وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً) : وصفهم وهم حالة الولادة بما يصيرون إليه من الفجور والكفر.
ولما دعا على الكفار ، استغفر للمؤمنين ، فبدأ بنفسه ثم بمن وجب برّه عليه ، ثم للمؤمنين ، فكأن هو ووالده اندرجوا في المؤمنين والمؤمنات. وقرأ الجمهور : (وَلِوالِدَيَ) ، والظاهر أنهما أبوه لمك بن متوشلخ وأمه شمخاء بنت أنوش. وقيل : هما آدم وحوّاء. وقرأ ابن جبير والجحدري : ولوالدي بكسر الدال ، فأما أن يكون خص أباه
__________________
(١) سورة غافر : ٤٠ / ٤٦.
(٢) سورة هود : ١١ / ٣٦.