هذه السورة مكية كلها في قول الحسن وعكرمة وعطاء وجابر. وقال ابن عباس وقتادة : إلا آيتين منها : (وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ) والتي تليها ، ذكره الماوردي. وقال الجمهور : هي مكية إلا قوله تعالى : (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ) إلخ ، فإنه نزل بالمدينة.
وسبب نزولها فيما ذكر الجمهور : أنه عليه الصلاة والسلام لما جاءه الملك في غار حراء وحاوره بما حاوره ، رجع إلى خديجة فقال : «زملوني زملوني» ، فنزلت : (يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ) (١) ، وعلى هذا نزلت : (يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ). قالت عائشة والنخعي وجماعة : ونودي بذلك لأنه كان في وقت نزول الآية متزملا بكساء. وقال قتادة : كان تزمل في ثيابه للصلاة واستعد. فنودي على معنى : يا أيها المستعد للعبادة. وقال عكرمة : معناه المزمل للنبوة وأعبائها ، أي المشمر المجد ، فعلى هذا يكون التزمل مجازا ، وعلى ما سبق يكون حقيقة. وما رووا أن عائشة رضياللهعنها سئلت : ما كان تزميله؟ قالت : كان مرطا طوله أربع عشرة ذراعا ، نصفه عليّ وأنا نائمة ، ونصفه عليه ، إلى آخر الرواية ؛ كذب صراح ، لأن نزول (يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ) بمكة في أوائل مبعثه ، وتزويجه عائشة كان بالمدينة.
ومناسبة هذه السورة لما قبلها : أن في آخر ما قبلها (عالِمُ الْغَيْبِ) (٢) الآيات ، فأتبعه بقوله : (يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ) ، إعلاما بأنه صلىاللهعليهوسلم ممن ارتضاه من الرسل وخصه بخصائص وكفاه شر أعدائه.
وقرأ الجمهور : (الْمُزَّمِّلُ) ، بشد الزاي وكسر الميم ، أصله المتزمل فأدغمت التاء في الزاي. وقرأ أبي : المتزمل على الأصل ؛ وعكرمة : بتخفيف الزاي. أي المزمل جسمه أو نفسه. وقرأ بعض السلف : بتخفيف الزاي وفتح الميم ، أي الذي لف. وللزمخشري في كيفية نداء الله له بهذا الوصف كلام ضربت عن ذكره صفحا ، فلم أذكره في كتابي. وقال السهيلي : ليس المزمل باسم من أسمائه عليه الصلاة والسلام يعرف به ، وإنما هو مشتق من حالته التي كان التبس بها حالة الخطاب ، والعرب إذا قصدت الملاطفة بالمخاطب تترك المعاتبة نادوه باسم مشتق من حالته التي هو عليها ، كقول النبي صلىاللهعليهوسلم لعليّ كرم الله وجهه وقد نام ولصق بجنبه التراب : «قم أبا تراب» ، إشعارا بأنه ملاطف له ، فقوله : (يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ) فيه تأنيس وملاطفة.
وقرأ الجمهور : (قُمِ اللَّيْلَ) ، بكسر الميم على أصل التقاء الساكنين ؛ وأبو السمال :
__________________
(١) سورة المدثر : ٧٤ / ١.
(٢) سورة الجن : ٧٢ / ٢٦ وما بعدها.