بضمها اتباعا للحركة من القاف. وقرىء : بفتحها طلبا للتخفيف. قال ابن جني : الغرض بالحركة الهروب من التقاء الساكنين ، فبأي حركة تحرك الحرف حصل الغرض ، وقم طلب. فقال الجمهور : هو على جهة الندب ، وقيل : كان فرضا على الرسول خاصة ، وقيل : عليه وعلى الجميع. قال قتادة : ودام عاما أو عامين. وقالت عائشة : ثمانية أشهر ، ثم رحمهمالله فنزلت : (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ) الآيات ، فخفف عنهم (قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً). بين الاستثناء أن القيام المأمور به يستغرق جميع الليل ، ولذلك صح الاستثناء منه ، إذ لو كان غير مستغرق ، لم يصح الاستثناء منه ، واستغراق جميعه بالقيام على الدوام غير ممكن ، لذلك استثنى منه لراحة الجسد ؛ وهذا عند البصريين منصوب على الظرف ، وإن استغرقه الفعل ؛ وهو عند الكوفيين مفعول به. وفي قوله : (إِلَّا قَلِيلاً) دليل على أن المستثنى قد يكون مبهم المقدار ، كقوله : (ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ) (١) في قراءة من نصب (ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً مِنْكُمْ) (٢).
قال وهب بن منبه : القليل ما دون المعشار والسدس. وقال الكلبي ومقاتل : الثلث. وقيل : ما دون النصف ، وجوزوا في نصفه أن يكون بدلا من الليل ومن قليلا. فإذا كان بدلا من الليل ، كان الاستثناء منه ، وكان المأمور بقيامه نصف الليل إلا قليلا منه. والضمير في منه وعليه عائد على النصف ، فيصير المعنى : قم نصف الليل إلا قليلا ، أو انقص من نصف الليل قليلا ، أو زد على نصف الليل ، فيكون قوله : أو انقص من نصف الليل قليلا ، تكرارا لقوله : إلا قليلا من نصف الليل ، وذلك تركيب غير فصيح ينزه القرآن عنه. قال الزمخشري : نصفه بدل من الليل ، وإلا قليلا استثناء من النصف ، كأنه قال : قم أقل من نصف الليل. والضمير في منه وعليه للنصف ، والمعنى : التخيير بين أمرين ، بين أن يقوم أقل من نصف الليل على البت ، وبين أن يخنار أحد الأمرين ، وهما النقصان من النصف والزيادة عليه. انتهى. فلم يتنبه للتكرار الذي يلزمه في هذا القول ، لأنه على تقديره : قم أقل من نصف الليل كان قوله ، أو انقص من نصف الليل تكرارا. وإذا كان (نِصْفَهُ) بدلا من قوله : (إِلَّا قَلِيلاً) ، فالضمير في نصفه إما أن يعود على المبدل منه ، أو على المستثنى منه وهو الليل ، لا جائز أن يعود على المبدل منه ، لأنه يصير استثناء مجهول من مجهول ، إذ التقدير إلا قليلا نصف القليل ، وهذا لا يصح له معنى البتة. وإن عاد الضمير على الليل ، فلا فائدة في الاستثناء من الليل ، إذ كان يكون أخصر وأوضح وأبعد عن الإلباس أن يكون
__________________
(١) سورة النساء : ٤ / ٦٦.
(٢) سورة البقرة : ٢ / ٨٣.