فكيف تقون أنفسكم يوم القيامة وهو له إن بقيتم على الكفر ولم تؤمنوا وتعملوا صالحا؟ انتهى. وتتقون مضارع اتقى ، واتقى ليس بمعنى وقى حتى يفسره به ، واتقى يتعدى إلى واحد ، ووقى يتعدى إلى اثنين. قال تعالى : (وَوَقاهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ) (١) ، ولذلك قدره الزمخشري : تقون أنفسكم يوم القيامة ، لكنه ليس تتقون بمعنى تقون ، فلا يتعدى بعديته ، ودس في قوله : ولم تؤمنوا وتعملوا صالحا الاعتزال. قال : ويجوز أن يكون ظرفا ، أي فكيف لكم بالتقوى في يوم القيامة إن كفرتم في الدنيا؟ قال : ويجوز أن ينتصب بكفرتم على تأويل جحدتم ، أي فكيف تتقون الله وتخشونه إن جحدتم يوم القيامة؟ والجزاء لأن تقوى الله خوف عقابه. انتهى. وقرأ الجمهور : (يَوْماً) منونا ، (يَجْعَلُ) بالياء ؛ والجملة من قوله : (يَجْعَلُ) صفة ليوم ، فإن كان الضمير في (يَجْعَلُ) عائدا على اليوم فواضح وهو الظاهر ؛ وإن عاد على الله ، كما قال بعضهم ، فلا بد من حذف ضمير يعود إلى اليوم ، أي يجعل فيه كقوله : (يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ) (٢). وقرأ زيد بن عليّ : بغير تنوين : نجعل بالنون ، فالظرف مضاف إلى الجملة ، والشيب مفعول ثان ليجعل ، أي يصير الصبيان شيوخا ، وهو كناية عن شدة ذلك اليوم. ويقال في اليوم الشديد : يوم يشيب نواصي الأطفال ، والأصل فيه أن الهموم إذا تفاقمت أسرعت بالشيب. قال المتنبي :
والهم يخترم الجسيم نحافة |
|
ويشيب ناصية الصبي ويهرم |
وقال قوم : ذلك حقيقة تشيب رؤوسهم من شدة الهول ، كما قد يرى الشيب في الدنيا من الهم المفرط ، كهول البحر ونحوه. وقال الزمخشري : ويجوز أن يوصف اليوم بالطول ، وأن الأطفال يبلغون فيه أوان الشيخوخة. وقال السدي : الولدان : أولاد الزنا. وقيل : أولاد المشركين ، والظاهر العموم ، أي يشيب الصغير من غير كبر ، وذلك حين يقال لآدم : يا آدم قم فابعث بعث النار. وقيل : هذا وقت الفزع قبل أن ينفخ في الصور نفخة الصعق. (السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ) ، قال الفراء : يعني المظلة تذكر وتؤنث ، فجاء منفطر على التذكير ، ومنه قول الشاعر :
فلو رفع السماء إليه قوم |
|
لحقنا بالسماء وبالسحاب |
وعلى القول بالتأنيث ، فقال أبو علي الفارسي : هو من باب الجراد المنتشر ، والشجر الأخضر ، وأعجاز نخل منقعر. انتهى ، يعني أنها من باب اسم الجنس الذي بينه وبين
__________________
(١) سورة الدخان : ٤٤ / ٥٦.
(٢) سورة البقرة : ٢ / ٤٨ ـ ١٢٣.