عبر بالقراءة عن الصلاة لأنها بعض أركانها ، كما عبر عنها بالقيام والركوع والسجود ، أي فصلوا ما تيسر عليكم من صلاة الليل. قيل : وهذا ناسخ للأول ، ثم نسخا جميعا بالصلوات الخمس. وهذا الأمر بقوله : (فَاقْرَؤُا) ، قال الجمهور : أمر إباحة ، وقال ابن جبير وجماعة : هو فرض لا بد منه ، ولو خمسين آية. وقال الحسن وابن سيرين : قيام الليل فرض ، ولو قدر حلب شاة. وقيل : هو أمر بقراءة القرآن بعينها ، لا كناية عن الصلاة. وإذا كان المراد : فاقرؤا في الصلاة ما تيسر ، فالظاهر أنه لا يتعين ما يقرأ ، بل إذا قرأ ما تيسر له وسهل عليه أجزأه وقدره ، وأبو حنيفة بآية ، حكاه عنه الماوردي ؛ وبثلاث. حكاه ابن العربي ؛ وعين مالك والشافعي ما تيسر ، قالا : هو فاتحة الكتاب ، لا يعدل عنها ولا يقتصر على بعضها.
(عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى) : بيان لحكمة النسخ ، وهي تعذر القيام على المرضى ، والضاربين في الأرض للتجارة ، والمجاهدين في سبيل الله ، (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ) ، كرر ذلك على سبيل التوكيد. ثم أمر بعمودي الإسلام البدني والمالي ، ثم قال : (وَأَقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً) : العطف يشعر بالتغاير ، فقوله : (وَآتُوا الزَّكاةَ) أمر بأداء الواجب ، (وَأَقْرِضُوا اللهَ) : أمر بأداء الصدقات التي يتطوع بها. وقرأ الجمهور : (هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً) بنصبهما ، واحتمل هو أن يكون فصلا ، وأن يكون تأكيدا لضمير النصب في (تَجِدُوهُ). ولم يذكر الزمخشري والحوفي وابن عطية في إعراب هو إلا الفصل. وقال أبو البقاء : هو فصل ، أو بدل ، أو تأكيد. فقوله : أو بدل ، وهم لو كان بدلا لطابق في النصب فكان يكون إياه. وقرأ أبو السمال وابن السميفع : هو خير وأعظم ، برفعهما على الابتداء أو الخبر. قال أبو زيد : هو لغة بني تميم ، يرفعون ما بعد الفاصلة ، يقولون : كان زيد هو العاقل بالرفع ، وهذا البيت لقيس بن ذريح وهو :
نحن إلى ليلى وأنت تركتها |
|
وكنت عليها بالملا أنت أقدر |
قال أبو عمرو الجرمي : أنشد سيبويه هذا البيت شاهدا للرفع والقوافي مرفوعة. ويروى : أقدر. وقال الزمخشري : وهو فصل وجاز وإن لم يقع بين معرفتين ، لأن أفعل من أشبه في امتناعه من حرف التعريف المعرفة. انتهى. وليس ما ذكر متفقا عليه. ومنهم من أجازه ، وليس أفعل من أحكام الفصل ومسائله ، والخلاف الوارد فيها كثير جدا ، وقد جمعنا فيه كتابا سميناه بالقول الفصل في أحكام الفصل ، وأودعنا معظمه شرح التسهيل من تأليفنا.