قوله : (وَنِصْفَهُ) فهو مطابق لقوله أولا : (نِصْفَهُ). وأما ثلثه فإن قوله : (أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً) قد ينتهي النقص في القليل إلى أن يكون الوقت ثلث الليل. وأما قوله : (أَوْ زِدْ عَلَيْهِ) ، فإنه إذا زاد على النصف قليلا ، كان الوقت أقل من الثلثين ، فيكون قد طابق قوله : (أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ) ، ويكون قوله تعالى : (نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً) شرحا لمبهم ما دل عليه قوله : (قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً) ، وعلى قراءة النصب.
قال الحسن وابن جبير : معنى تحصوه : تطيقوه ، أي قدر تعالى أنهم يقدرون الزمان على ما مر في أول السورة ، فلم يطيقوا قيامه لكثرته وشدته ، فخفف تعالى عنهم فضلا منه ، لا لعلة جهلهم بالتقدير وإحصاء الأوقات. وأما قراءة الجر ، فالمعنى أنه قيام مختلف ؛ مرة أدنى من الثلثين ، ومرة أدنى من النصف ، ومرة أدنى من الثلث ، وذلك لتعذر معرفة البشر مقادير الزمان مع عذر النوم. وتقدير الزمان حقيقة إنما هو لله تعالى ، والبشر لا يحصون ذلك ، أي لا يطيقون مقادير ذلك ، فتاب عليهم ، أي رجع بهم من الثقل إلى الخفة وأمرهم بقيام ما تيسر. وعلى القراءتين يكون علمه تعالى بذلك على حسب الوقوع منهم ، لأنهم قاموا تلك المقادير في أوقات مختلفة قاموا أدنى من الثلثين ونصفا وثلثا ، وقاموا أدنى من النصف وأدنى من الثلث ، فلا تنافي بين القراءتين. وقرأ الجمهور : (وَثُلُثَهُ) بضم اللام ؛ وابن كثير في رواية شبل : بإسكانها ؛ وطائفة : معطوف على الضمير المستكن في (تَقُومُ) ، وحسنه الفصل بينهما. وقوله : (وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ) دليل على أنه لم يكن فرضا على الجميع ، إذ لو كان فرضا ، لكان التركيب : والذين معك ، إلا إن اعتقد أنهم كان منهم من يقوم في بيته ، ومنهم من يقوم معه ، فيمكن إذ ذاك الفرضية في حق الجميع.
(وَاللهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ) : أي هو وحده تعالى العالم بمقادير الساعات. قال الزمخشري : وتقديم اسمه عزوجل مبتدأ مبنيا عليه يقدر هو الدال على معنى الاختصاص بالتقدير. انتهى. وهذا مذهبه ، وإنما استفيد الاختصاص من سياق الكلام لا من تقديم المبتدأ. لو قلت : زيد يحفظ القرآن أو يتفقه في كتاب سيبويه ، لم يدل تقديم المبتدأ على الاختصاص. وأن مخففة من الثقيلة ، والضمير في نحصوه ، الظاهر أنه عائد على المصدر المفهوم من يقدر ، أي أن لن تحصوا تقدير ساعات الليل والنهار ، لا تحيطوا بها على الحقيقة. وقيل : الضمير يعود على القيام المفهوم من قوله : (فَتابَ عَلَيْكُمْ). قيل : فيه دليل على أنه كان فيهم من ترك بعض ما أمر به. وقيل : رجع بكم من ثقل إلى خف ، ومن عسر إلى عسر ، ورخص لكم في ترك القيام المقدر. (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) :