مضى تبعه آخر إلى غير نهاية ، ولا يكاد يستعمل الحقب إلا حيث يراد تتابع الأزمنة ، كقول أبي تمام :
لقد أخذت من دار ماوية الحقب |
|
أنحل المغاني لليلى أم هي نهب |
ويجوز أن يتعلق للطاغين بمرصادا ، ويجوز أن يتعلق بمآبا. ولبثين حال من الطاغين ، وأحقابا نصب على الظرف. وقال الزمخشري : وفيه وجه آخر ، وهو أن يكون من حقب عامنا إذا قل مطره وخيره ، وحقب إذا أخطأ الرزق فهو حقب ، وجمعة أحقاب ، فينتصب حالا عنهم ، يعني لبثين فيها حقبين جحدين. وقوله : (لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَلا شَراباً) تفسير له ، والاستثناء منقطع ، يعني : لا يذوقون فيها بردا وروحا ينفس عنهم حر النار ، ولا شراب يسكن من عطشهم ، ولكن يذوقون فيها (حَمِيماً وَغَسَّاقاً). انتهى. وكان قد قدم قبل هذا الوجه ما نصه : ويجوز أن يراد لابثين فيها أحقابا غير ذائقين بردا ولا شرابا إلا حميما وغساقا ، ثم يبدلون بعد الأحقاب غير الحميم ، والغساق من جنس آخر من العذاب. انتهى. وهذا الذي قاله هو قول للمتقدمين ، حكاه ابن عطية. قال : وقال آخرون إنما المعنى لابثين فيها أحقابا غير ذائقين بردا ولا شرابا ، فهذه الحال يلبثون أحقابا ، ثم يبقى العذاب سرمدا وهم يشربون أشربة جهنم. والذي يظهر أن قوله : (لا يَذُوقُونَ) كلام مستأنف وليس في موضع الحال ، و (إِلَّا حَمِيماً) استثناء متصل من قوله : (وَلا شَراباً) ، وإن (أَحْقاباً) منصوب على الظرف حملا على المشهور من لغة العرب ، لا منصوب على الحال على تلك اللغة التي ليست مشهورة. وقول من قال : إن الموصوفين باللبث أحقابا هم عصاة المؤمنين ، أواخر الآي يدفعه ؛ وقول مقاتل : إن ذلك منسوخ بقوله : (فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذاباً) ، فاسد. والظاهر ، وهو قول الجمهور ، أن البرد هو مس الهواء القرّ ، أي لا يمسهم منه ما يستلذ ويكسر شدة الحر. وقال أبو عبيدة والكسائي والفضل بن خالد ومعاذ النحوي : البرد هنا النوم ، والعرب تسميه بذلك لأنه يبرد سورة العطش ، ومن كلامهم : منع البرد البرد ، وقال الشاعر :
فلو شئت حرمت النساء سواكم |
|
وإن شئت لم أطعم نقاخا ولا بردا |
النقاخ : الماء ، والبرد : النوم. وفي كتاب اللغات في القرآن أن البرد هو النوم بلغة هذيل ، والذوق على هذين القولين مجاز. وقال ابن عباس : البرد : الشراب البارد المستلذ ، ومنه قول حسان بن ثابت :