وقرأ الجمهور : (وَفَجَّرْنَا) بتشديد الجيم ؛ وعبد الله وأصحابه وأبو حيوة والمفضل عن عاصم : بالتخفيف ؛ والمشهور أن العين لفظ مشترك. والظاهر أنها حقيقة في العين الباصرة ، مجاز في غيرها ، وهو في غير الماء مجاز مشهور ، غالب وانتصب عيونا على التمييز ، جعلت الأرض كلها كأنها عيون تتفجر ، وهو أبلغ من : وفجرنا عيون الأرض ، ومن منع مجيء التمييز من المفعول أعربه حالا ، ويكون حالا مقدرة ، وأعربه بعضهم مفعولا ثانيا ، كأنه ضمن (وَفَجَّرْنَا) : صيرنا بالتفجير ، (الْأَرْضَ عُيُوناً). وقيل : وفجرت أربعين يوما. وقرأ الجمهور : (فَالْتَقَى الْماءُ) ، وهو اسم جنس ، والمعنى : ماء السماء وماء الأرض. وقرأ عليّ والحسن ومحمد بن كعب والجحدري : الماءان. وقرأ الحسن أيضا : الماوان. وقال الزمخشري : وقرأ الحسن ماوان ، بقلب الهمزة واوا ، كقولهم : علباوان. انتهى. شبه الهمزة التي هي بدل من هاء في الماء بهمزة الإلحاق في علبا. وعن الحسن أيضا : المايان ، بقلب الهمزة ياء ، وفي كلتا القراءتين شذوذ. (عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ) : أي على حالة ورتبة قد فصلت في الأزل. وقيل : على مقادير قد رتبت وقت التقائه ، فروى أن ماء الأرض كان على سبعة عشر ذراعا ، ونزل ماء السماء على تكملة أربعين ذراعا. وقيل : كان ماء الأرض أكثر. وقيل : كانا متساويين ، نزل من السماء قدر ما خرج من الأرض.
وقيل : (عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ) : في اللوح أنه يكون ، وهو هلاك قوم نوح عليهالسلام بالطوفان ، وهذا هو الراجح ، لأن كل قصة ذكرت بعد هذه القصة ذكر الله هلاك مكذبي الرسل فيها ، فيكون هذا كناية عن هلاك قوم نوح ، ولذلك ذكر نجاة نوح بعدها في قوله : (وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ). وقرأ أبو حيوة : قدر بشد الدال ؛ والجمهور ؛ بتخفيفها ، وذات الألواح والدسر هي السفينة التي أنشأها نوح عليهالسلام. ويفهم من هذين الوصفين أنها السفينة ، فهي صفة تقوم مقام الموصوف وتنوب عنه ، ونحوه : قميصي مسرودة من حديد ، أي درع ، وهذا من فصيح الكلام وبديعه. ولو جمعت بين الصفة والموصوف فيه ، لم يكن بالفصيح والدسر المسامير ، قاله الجمهور. وقال الحسن وابن عباس : مقاديم السفينة لأنها تدسر الماء ، أي تدفعه ، والدسر : الدفع. وقال مجاهد وغيره : بطن السفينة. وعنه أيضا : عوارض السفينة. وعنه أيضا : أضلاع السفينة ، تجري في ذلك الماء المتلقي بحفظ منا وكلاءة ، بحيث نجا من كان فيها وغرق غيرهم.
وقال مقاتل بن سليمان : (بِأَعْيُنِنا) : بوحينا. وقيل : بأمرنا. وقيل : بأوليائنا. يقال : فلان عين من عيون الله تعالى : أي ولي من أوليائه. وقيل : بأعين الماء التي أنبعناها.