(وَازْدُجِرَ فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ) ، الظاهر أن قوله : (وَازْدُجِرَ) من أخبار الله تعالى ، أي انتهروه وزجروه بالسبب والتخويف ، قاله ابن زيد وقرأ : (لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ) (١). قيل : والمعنى أنهم فعلوا به ما يوجب الانزجار من دعائهم حتى ترك دعوتهم إلى الإيمان وعدل إلى الدعاء عليهم. وقال مجاهد : وازدجر من تمام قولهم ، أي قالوا وازدجر : أي استطير جنونا ، أي ازدجرته الجن وذهبت بلبه وتخبطته. وقرأ ابن إسحاق وعيسى والأعمش وزيد بن عليّ ، ورويت عن عاصم : إني بكسر الهمزة ، على إضمار القول على مذهب البصريين ، أو على إجراء الدعاء مجرى القول على مذهب الكوفيين. وقرأ الجمهور : بفتحها ، أي بأني مغلوب ، أي غلبني قومي ، فلم يسمعوا مني ، ويئست من إجابتهم لي. (فَانْتَصِرْ) : أي فانتقم بعذاب تبعثه عليهم. وإنما دعا عليهم بعد ما يئس منهم وتفاقم أمرهم ، وكان الواحد من قومه يخنقه إلى أن يخر مغشيا عليه ، وقد كان يقول : اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون ، ومتعلق (فَانْتَصِرْ) محذوف. وقيل : التقدير فانتصر لي منهم بأن تهلكهم. وقيل : فانتصر لنفسك ، إذ كذبوا رسولك فوقعت الإجابة. وللمتصوفة قول في (مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ) حكاه ابن عطية ، يوقف عليه في كتابه.
(فَفَتَحْنا) : بيان أن الله تعالى انتصر منهم وانتقم. قيل : ومن العجب أنهم كانوا يطلبون المطر سنين ، فأهلكهم الله تعالى بمطلوبهم. (أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ) : جعل الماء كأنه آلة يفتح بها ، كما تقول : فتحت الباب بالمفتاح ، وكأن الماء جاء وفتح الباب ، فجعل المقصود ، وهو الماء ، مقدّما في الوجود على فتح الباب المغلق. ويجوز أن تكون الباء للحال ، أي ملتبسة بماء منهمر. وقرأ ابن عامر وأبو جعفر والأعرج ويعقوب : ففتحنا مشدّدا ؛ والجمهور : مخففا ، (أَبْوابَ السَّماءِ) ، هذا عند الجمهور مجاز وتشبيه ، لأن المطر كثره كأنه نازل من أبواب ، كما تقول : فتحت أبواب القرب ، وجرت مزاريب السماء. وقال عليّ ، وتبعه النقاش : يعني بالأبواب المجرة ، وهي سرع السماء كسرع العيبة. وذهب قوم إلى أنها حقيقة فتحت في السماء أبواب جرى منها الماء ، ومثله مروي عن ابن عباس ، قال : أبواب السماء فتحت من غير سحاب ، لم تغلق أربعين يوما. قال السدي : (مُنْهَمِرٍ) : أي كثير. قال الشاعر :
أعينيّ جودا بالدموع الهوامر |
|
على خير باد من معد وحاضر |
__________________
(١) سورة الشعراء : ٢٦ / ١١٦.