الإفراد ، كما ذكرناه عن سيبويه ، وكما دل عليه كلام الفراء ؛ وجوز أن يكون في خشعا ضمير ، وأبصارهم بدل منه. وقرىء : خشع أبصارهم ، وهي جملة في موضع الحال ، وخشع خبر مقدم ، وخشوع الأبصار كناية عن الذلة ، وهي في العيون أظهر منها في سائر الجوارح ؛ وكذلك أفعال النفس من ذلة وعزة وحياء وصلف وخوف وغير ذلك.
(كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ) : جملة حالية أيضا ، شبههم بالجراد في الكثرة والتموج ، ويقال : جاءوا كالجراد في الجيش الكثير المتموج ، ويقال : كالذباب. وجاء تشبيههم أيضا بالفراش المبثوث ، وكل من الجراد والفراش في الخارجين يوم الحشر شبه منهما. وقيل : يكونون أولا كالفراش حين يموجون فزعين لا يهتدون أين يتوجهون ، لأن الفراش لا جهة له يقصدها ، ثم كالجراد المنتشر إذا توجهوا إلى المحشر والداعي ، فهما تشبيهان باعتبار وقتين ، قال معناه مكي بن أبي طالب. (مُهْطِعِينَ) ، قال أبو عبيدة : مسرعين ، ومنه قوله :
بدجلة دارهم ولقد أراهم |
|
بدجلة مهطعين إلى السماع |
زاد غيره : مادّي أعناقهم ، وزاد غيره : مع هز ورهق ومد بصر نحو المقصد ، إما لخوف أو طمع ونحوه. وقال قتادة : عامدين. وقال الضحاك : مقبلين. وقال عكرمة : فاتحين آذانهم إلى الصوت. وقال ابن عباس : ناظرين. ومنه قول الشاعر :
تعبدني نمر بن سعد وقد أرى |
|
ونمر بن سعد لي مطيع ومهطع |
وقيل : خافضين ما بين أعينهم. وقال سفيان : خاشعة أبصارهم إلى السماء. (يَوْمٌ عَسِرٌ) ، لما يشاهدون من مخايل هوله ، وما يرتقبون من سوء منقلبهم فيه. (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ) : أي قبل قريش ، (قَوْمُ نُوحٍ) وفيه وعيد لقريش وضرب مثل لهم. ومفعول كذبت محذوف ، أي كذبت الرسل ، فكذبوا نوحا عليهالسلام. لما كانوا مكذبين بالرسل جاحدين للنبوة رأسا ، كذبوا نوحا لأنه من جملة الرسل. ويجوز أن يكون المحذوف نوحا أول مجيئه إليهم ، فكذبوه تكذيبا يعقبه تكذيب. كلما مضى منهم قرن مكذب ، تبعه قرن مكذب. وفي لفظ عبدنا تشريف وخصوصية بالعبودية ، كقوله تعالى : (وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ) (١) ، (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ) (٢). (وَقالُوا مَجْنُونٌ) : أي هو مجنون. لما رأوا الآيات الدالة على صدقه قالوا : هو مصاب الجن ، لم يقنعوا بتكذيبه حتى نسبوه إلى الجنون ، أي يقول ما لا يقبله عاقل ، وذلك مبالغة في تكذيبهم.
__________________
(١) سورة الأنفال : ٨ / ٤١.
(٢) سورة الإسراء : ١٧ / ١.