فصلت : (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ) (١). وقال في الحاقة : (سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً) (٢) ، إلا أن يكون ابتداء الريح في يوم الأربعاء ، فعبر بوقت الابتداء ، وهو يوم الأربعاء ، فيمكن الجمع بينها.
(تَنْزِعُ النَّاسَ) : يجوز أن يكون صفة للريح ، وأن يكون حالا منها ، لأنها وصفت فقربت من المعرفة. ويحتمل أن يكون تنزع مستأنفا ، وجاء الظاهر مكان المضمر ليشمل ذكورهم وإناثهم ، إذ لو عاد بضمير المذكورين ، لتوهم أنه خاص بهم ، أي تقلعهم من أماكنهم. قال مجاهد : يلقى الرجل على رأسه ، فتفتت رأسه وعنقه وما يلي ذلك من بدنه. وقيل : كانوا يصطفون آخذي بعضهم بأيدي بعض ، ويدخلون في الشعاب ، ويحفرون الحفر فيندسون فيها ، فتنزعهم وتدق رقابهم. والجملة التشبيهية حال من الناس ، وهي حال مقدرة. وقال الطبري : في الكلام حذف تقديره : فتتركهم. (كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ) : فالكاف في موضع نصب بالمحذوف شبههم ، بأعجاز النخل المنقعر ، إذ تساقطوا على الأرض أمواتا وهم جثث عظام طوال. والأعجاز : الأصول بلا فروع قد انقلعت من مغارسها. وقيل : كانت الريح تقطع رؤوسهم ، فتبقى أجسادا بلا رؤوس ، فأشبهت أعجاز النخل التي انقلعت من مغرسها. وقرأ أبو نهيك : أعجز على وزن أفعل ، نحو ضبع وأضبع. والنخل اسم جنس يذكر ويؤنث ، وإنما ذكر هنا لمناسبة الفواصل ، وأنث في قوله : (أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ) (٣) في الحاقة لمناسبة الفواصل أيضا. وقرأ أبو السمال ، فيما ذكر الهذلي في كتابه الكامل ، وأبو عمر والداني : برفعهما. فأبشر : مبتدأ ، وواحد صفته ، والخبر نتبعه. ونقل ابن خالويه ، وصاحب اللوامح ، وابن عطية رفع أبشر ونصب واحدا عن أبي السمال. قال صاحب اللوامح : فأما رفع أبشر فبإضمار الخبر بتقدير : أبشر منا يبعث إلينا ، أو يرسل ، أو نحوهما؟ وأما انتصاب واحدا فعلى الحال ، إما مما قبله بتقدير : أبشر كائن منا في الحال توحده ، وإما مما بعده بمعنى : نتبعه في توحده ، أو في انفراده. وقال ابن عطية : ورفعه إما على إضمار فعل مبني للمفعول ، التقدير : أينبأ بشر؟ وإما على الابتداء ، والخبر في قوله : (نَتَّبِعُهُ) ، وواحدا على هذه القراءة حال إما من الضمير في نتبعه ، وإما من المقدر مع منا ، كأنه يقول : أبشر كائن منا واحدا؟ وفي هذا نظر. وقولهم ذلك حسد منهم واستبعاد أن يكون نوع البشر يفضل بعضه بعضا هذا الفضل ، فقالوا :
__________________
(١) سورة فصلت : ٤١ / ١٦.
(٢) سورة الحاقة : ٦٩ / ٧.
(٣) سورة الحاقة : ٦٩ / ٧.