نكون جمعا ونتبع واحدا ، ولم يعلموا أن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء ، ويفيض نور الهدى على من رضيه. انتهى.
وقال الزمخشري : فإن قلت : كيف أنكروا أن يتبعوا بشرا منهم واحدا؟ قلت : قالوا : أبشرا إنكارا؟ لأن يتبعوا مثلهم في الجنسية ، وطلبوا أن يكونوا من جنس أعلى من جنس البشر ، وهم الملائكة ، وقالوا منا ، لأنه إذا كان منهم ، كانت المماثلة أقوى ، وقالوا واحدا إنكارا ، لأن تتبع الأمة رجلا واحدا ، وأرادوا واحدا من أبنائهم ليس بأشرفهم ولا أفضلهم ، ويدل عليه. (أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا) : أي أأنزل عليه الوحي من بيننا؟ وفينا من هو أحق منه بالاختيار للنبوة. انتهى ، وهو حسن ، على أن فيه تحميل اللفظ ما لا يحتمله. (إِنَّا إِذاً) : أي إن اتبعناه ، فنحن في ضلال : أي بعد عن الصواب وحيرة. وقال الضحاك : في تيه. وقال وهب : بعد عن الحق ، (وَسُعُرٍ) : أي عذاب ، قاله ابن عباس. وعنه وجنون يقال : ناقة مسعورة إذا كانت تفرط في سيرها كأنها مجنونة ، وقال الشاعر :
كأن بها سعرا إذا العيس هزها |
|
زميل وإزجاء من السير متعب |
وقال قتادة : وسعر : عناء. وقال ابن بحر : وسعر جمع سعير ، وهو وقود النار ، أي في خطر كمن هو في النار. انتهى. وروي أنه كان يقول لهم : إن لم تتبعوني ، كنتم في ضلال عن الحق وسعر : أي نيران ، فعكسوا عليه فقالوا : إن اتبعناك كنا إذا كما تقول. ثم زادوا في الإنكار والاستبعاد فقالوا : (أَأُلْقِيَ) : أي أأنزل؟ قيل : وكأنه يتضمن العجلة في الفعل ، والعرب تستعمل هذا الفعل ، ومنه : (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي) (١) ، (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً) (٢). والذكر هنا : الوحي والرسالة وما جاءهم من الحكمة والموعظة. ثم قالوا : ليس الأمر كما تزعم بل هو القرآن. (أَشِرٌ) : أي بطر ، يريد العلوّ علينا ، وأن يقتادنا ويتملك طاعتنا. وقرأ قتادة وأبو قلابة : بل هو الكذاب الأشر ، بلام التعريف فيهما وبفتح الشين وشد الراء ، وكذا الأشر الحرف الثاني. وقرأ الحرف الثاني مجاهد ، فيما ذكر صاحب اللوامح وأبو قيس الأودي الأشر بثلاث ضمات وتخفيف الراء. ويقال : أشر وأشر ، كحذر وحذر ، فضمة الشين لغة وضم الهمزة تبع لضمة الشين. وحكى الكسائي عن مجاهد : ضم الشين. وقرأ أبو حيوة : هذا الحرف الآخر الأشر أفعل تفضيل ، وإتمام خير ، وشر في أفعل التفضيل قليل. وحكى ابن الأنباري أن العرب تقول : هو أخير وهو أشر. قال الراجز.
__________________
(١) سورة طه : ٢٠ / ٣٩.
(٢) سورة المزمل : ٧٣ / ٥.