هذه السورة مكية. وانفطارها تقدم الكلام فيه ، وانتثار الكواكب : سقوطها من مواضعها كالنظام. وقرأ الجمهور : (فُجِّرَتْ) بتشديد الجيم ؛ ومجاهد والربيع بن خيثم والزعفراني والثوري : بخفها ، وتفجيرها من امتلائها ، فتفجر من أعلاها وتفيض على ما يليها ، أو من أسفلها فيذهب الله ماءها حيث أراد. وعن مجاهد : فجرت مبنيا للفاعل مخففا بمعنى : بغت لزوال البرزخ نظرا إلى قوله تعالى : (لا يَبْغِيانِ) (١) ، لأن البغي والفجور متقابلان. (بُعْثِرَتْ) ، قال ابن عباس : بحثت. وقال السدي : أثيرت لبعث الأموات. وقال الفراء : أخرج ما في بطنها من الذهب والفضة. وقال الزمخشري : بعثر وبحثر بمعنى واحد ، وهما مركبان من البعث والبحث مع راء مضمومة إليهما ، والمعنى : بحثت وأخرج موتاها. وقيل : لبراءة المبعثرة ، لأنها بعثرت أسرار المنافقين. انتهى. فظاهر قوله أنهما مركبان أن مادتهما ما ذكر ، وأن الراء ضمت إلى هذه المادة ، والأمر ليس كما يقتضيه كلامه ، لأن الراء ليست من حروف الزيادة ، بل هما مادتان مختلفتان وإن اتفقا من حيث المعنى. وأما أن إحداهما مركبة من كذا فلا ، ونظيره قولهم : دمث ودمثر وسبط وسبطر. (ما قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ) : تقدم الكلام على شبهه في سورة القيامة
وقرأ الجمهور : (ما غَرَّكَ) ، فما استفهامية. وقرأ ابن جبير والأعمش : ما أغرك بهمزة ، فاحتمل أن يكون تعجبا ، واحتمل أن تكون ما استفهامية ، وأغرك بمعنى أدخلك في الغرة. وقال الزمخشري : من قولك غر الرجل فهو غار. إذا غفل من قولك بينهم العدو وهم غارون ، وأغره غيره : جعله غارا. انتهى. وروي أنه عليه الصلاة والسلام قرأ : (ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ) ، فقال : جهله وقاله عمر رضي الله تعالى عنه وقرأ أنه كان ظلوما جهولا ، وهذا يترتب في الكافر والعاصي. وقال قتادة : عدوه المسلط عليه ، وقيل : ستر الله عليه. وقيل : كرم الله ولطفه يلقن هذا الجواب ، فهذا لطف بالعاصي المؤمن. وقيل : عفوه عنه إن لم يعاقبه أول مرة. وقال الفضيل رضياللهعنه : ستره المرخى. وقال ابن السماك :
يا كاتم الذنب أما تستحي |
|
والله في الخلوة رائيكا |
غرك من ربك إمهاله |
|
وستره طول مساويكا |
وقال الزمخشري : في جواب الفضيل ، وهذا على سبيل الاعتراف بالخطأ. بالاغترار : بالستر ، وليس باعتذار كما يظنه الطماع ، ويظن به قصاص الحشوية ، ويروون
__________________
(١) سورة الرحمن : ٥٥ / ٢٠.