عن أئمتهم إنما قال : (بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ) دون سائر صفاته ، ليلقن عبده الجواب حتى يقول : غرني كونه الكريم. انتهى. وهو عادته في الطعن على أهل السنة. (فَسَوَّاكَ) : جعلك سويا في أعضائك ، (فَعَدَلَكَ) : صيرك معتدلا متناسب الخلق من غير تفاوت. وقرأ الحسن وعمرو بن عبيد وطلحة والأعمش وعيسى وأبو جعفر والكوفيون : بخف الدال ؛ وباقي السبعة : بشدها. وقراءة التخفيف إما أن تكون كقراءة التشديد ، أي عدل بعض أعضائك ببعض حتى اعتدلت ، وإما أن يكون معناه فصرفك. يقال : عدله عن الطريق : أي عدلك عن خلقة غيرك إلى خلقة حسنة مفارقة لسائر الخلق ، أو فعدلك إلى بعض الأشكال والهيئات. والظاهر أن قوله :
(فِي أَيِّ صُورَةٍ) يتعلق بربك ، أي وضعك في صورة اقتضتها مشيئة من حسن وطول وذكورة ، وشبه ببعض الأقارب أو مقابل ذلك. وما زائدة ، وشاء في موضع الصفة لصورة ، ولم يعطف (رَكَّبَكَ) بالفاء كالذي قبله ، لأنه بيان لعدلك ، وكون في أي صورة متعلقا بربك هو قول الجمهور. وقيل : يتعلق بمحذوف ، أي ركبك حاصلا في بعض الصور. وقال بعض المتأولين : إنه يتعلق بقوله : (فَعَدَلَكَ) ، أي : فعدلك في صورة ، أي صورة ؛ وأي تقتضي التعجيب والتعظيم ، فلم يجعلك في صورة خنزير أو حمار ؛ وعلى هذا تكون ما منصوبة بشاء ، كأنه قال : أي تركيب حسن شاء ركبك ، والتركيب : التأليف وجمع شيء إلى شيء. وأدغم حارجة عن نافع ركبك كلا ، كأبي عمرو في إدغامه الكبير. وكلا : ردع وزجر لما دل عليه ما قبله من اغترارهم بالله تعالى ، أو لما دل عليه ما بعد كلا من تكذيبهم بيوم الجزاء والدين أو شريعة الإسلام. وقرأ الجمهور : (بَلْ تُكَذِّبُونَ) بالتاء ، خطابا للكفار ؛ والحسن وأبو جعفر وشيبة وأبو بشر : بياء الغيبة.
(وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ) : استئناف إخبار ، أي عليهم من يحفظ أعمالهم ويضبطها. ويظهر أنها جملة حالية ، والواو واو الحال ، أي تكذبون بيوم الجزاء. والكاتبون : الحفظة يضبطون أعمالكم لأن تجازوا عليها ، وفي تعظيم الكتبة بالثناء عليهم تعظيم لأمر الجزاء. وقرأ الجمهور : (يَصْلَوْنَها) ، مضارع صلى مخففا ؛ وابن مقسم : مشدّدا مبنيا للمفعول. (يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ) ، فيكتبون ما تعلق به الجزاء. قال الحسن : يعلمون ما ظهر دون حديث النفس. وقال سفيان : إذا هم العبد بالحسنة أو السيئة ، وجد الكاتبان ريحها. وقال الحسين بن الفضل : حيث قال يعلمون ولم يقل يكتبون دل على أنه لا يكتب الجميع فيخرج عنه السهو والخطأ وما لا تبعة فيه. (وَما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ) : أي عن الجحيم ، أي