الآية ترد على هذا القول ، انتهى. والظاهر من الآية أن الإنسان انقسم إلى هذين القسمين ولم يتعرض للعصاة الذين يدخلهم الله النار. (يَدْعُوا ثُبُوراً) : يقول : وا ثبوراه ، والثبور : الهلاك ، وهو جامع لأنواع المكاره. وقرأ قتادة وأبو جعفر وعيسى وطلحة والأعمش وعاصم وأبو عمرو وحمزة : (وَيَصْلى) بفتح الياء مبنيا للفاعل ؛ وباقي السبعة وعمر بن عبد العزيز وأبو الشعثاء والحسن والأعرج : بضم الياء وفتح الصاد واللام مشددة ؛ وأبو الأشهب وخارجة عن نافع ، وأبان عن عاصم ، وعيسى أيضا والعتكي وجماعة عن أبي عمرو : بضم الياء ساكن الصاد مخفف اللام ، بني للمفعول من المتعدي بالهمزة ، كما بني ويصلى المشدد للمفعول من المتعدي بالتضعيف.
(إِنَّهُ كانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً) : أي فرحا بطرا مترفا لا يعرف الله ولا يفكر في عاقبته لقوله تعالى : (لا تَفْرَحْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ) (١) ، بخلاف المؤمن ، فإنه حزين مكتئب يتفكر في الآخرة. (إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ) : أي أن لن يرجع إلى الله ، وهذا تكذيب بالبعث. (بَلى) : إيجاب بعد النفي ، أي بلى ليحورن. (إِنَّ رَبَّهُ كانَ بِهِ بَصِيراً) : أي لا تخفى عليه أفعاله ، فلا بد من حوره ومجازاته.
(فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ) : أقسم تعالى بمخلوقاته تشريفا لها وتعريضا للاعتبار بها ، والشفق تقدم شرحه. وقال أبو هريرة وعمر بن عبد العزيز وأبو حنيفة : هو البياض الذي يتلوه الحمزة. وروى أسد بن عمرو أن أبا حنيفة رجع عن قوله هذا إلى قول الجمهور. وقال مجاهد والضحاك وابن أبي نجيح : إن الشفق هنا كأنه لما عطف عليه الليل قال ذلك. قال ابن عطية : وهذا قول ضعيف ، انتهى. وعن مجاهد : هو الشمس ؛ وعن عكرمة : ما بقي من النهار. (وَما وَسَقَ) : ما ضم من الحيوان وغيره ، إذ جميع ذلك ينضم ويسكن في ظلمة الليل. وقال ابن عباس : (وَما وَسَقَ) : أي ما غطى عليه من الظلمة. وقال مجاهد : وما ضم من خير وشر. وقال ابن جبير : وما ساق وحمل. وقال ابن بحر : وما عمل فيه ، ومنه قول الشاعر :
فيوما ترانا صالحين وتارة |
|
تقوم بنا كالواسق المتلبب |
وقال ابن الفضل : لف كل أحد إلى الله ، أي سكن الخلق إليه ورجع كل إلى ما رآه لقوله : (لِتَسْكُنُوا فِيهِ) (٢). وقرأ عمر بن عبد الله وابن عباس ومجاهد والأسود وابن جبير
__________________
(١) سورة القصص : ٢٨ / ٧٦.
(٢) سورة يونس : ١٠ / ٧٦ ، وسورة القصص : ٢٨ / ٧٣ ، وسورة غافر : ٤٠ / ٦١.