النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ ، إِذْ هُمْ عَلَيْها قُعُودٌ ، وَهُمْ عَلى ما يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ ، وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ، الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ، إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ ، إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ ، إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ ، إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ ، وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ ، ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ ، فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ ، هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ ، فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ ، بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ ، وَاللهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ ، بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ ، فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ).
هذه السورة مكية. ومناسبتها لما قبلها : لما ذكر أنه تعالى أعلم بما يجمعون للرسول صلىاللهعليهوسلم وللمؤمنين من المكر ، والخداع ، وإذاية من أسلم بأنواع من الأذى ، كالضرب ، والقتل ، والصلب ، والحرق بالشمس ، وإحماء الصخر ووضع أجساد من يريدون أن يفتنوه عليه ؛ ذكر أن هذه الشنشنة كانت فيمن تقدم من الأمم يعذبون بالنار ، وأن أولئك الذين أعرضوا على النار كان لهم من الثبات في الإيمان ما منعهم أن يرجعوا عن دينهم أو يحرموا ، وأن أولئك الذين عذبوا عباد الله ملعونون ، فكذلك الذين عذبوا المؤمنين من كفار قريش ملعونون. فهذه السورة عظة لقريش وتثبيت لمن يعذب.
(ذاتِ الْبُرُوجِ) ، قال ابن عباس والجمهور : هي المنازل التي عرفتها العرب ، وهي اثنا عشر على ما قسمته ، وهي التي تقطعها الشمس في سنة ، والقمر في ثمانية وعشرين يوما. وقال عكرمة والحسن ومجاهد : هي القصور. وقال الحسن ومجاهد أيضا : هي النجوم. وقيل : عظام الكواكب ، سميت بروجا لظهورها. وقيل : هي أبواب السماء ؛ وقد تقدم ذكر البروج في سورة الحجر. (وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ) : هو يوم القيامة ، أي الموعود به. (وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ) : هذان منكران ، وينبغي حملهما على العموم لقوله : (عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ) (١) ، وإن كان اللفظ لا يقتضيه ، لكن المعنى يقتضيه ، إذ لا يقسم بنكرة ولا يدري من هي. فإذا لوحظ فيها معنى العموم ، اندرج فيها المعرفة فحسن القسم. وكذا ينبغي أن يحمل ما جاء من هذا النوع نكرة ، كقوله : (وَالطُّورِ وَكِتابٍ مَسْطُورٍ) (٢) ، ولأنه إذا حمل (وَكِتابٍ مَسْطُورٍ) على العموم دخل فيه معنيان : الكتب الإلهية ، كالتوراة والإنجيل والقرآن ، فيحسن إذ ذاك القسم به.
__________________
(١) سورة التكوير : ٨١ / ١٤.
(٢) سورة الطور : ٥٢ / ١ ـ ٢.