ما يبدأ وكل ما يعاد. وقال الطبري : يبدىء العذاب ويعيده على الكفار ؛ ونحوه عن ابن عباس قال : تأكلهم النار حتى يصيروا فحما ، ثم يعيدهم خلقا جديدا. وقرىء : يبدأ من بدأ ثلاثيا ، حكاه أبو زيد.
ولما ذكر شدّة بطشه ، ذكر كونه ، غفورا ساترا لذنوب عباده ، ودودا لطيفا بهم محسنا إليهم ، وهاتان صفتا فعل. والظاهر أن الودود مبالغة في الوادّ ؛ وعن ابن عباس : المتودد إلى عباده بالمغفرة. وحكى المبرد عن القاضي إسماعيل بن إسحاق أن الودود هو الذي لا ولد له ، وأنشد :
وأركب في الروع عريانة |
|
ذلول الجماع لفاحا ودودا |
أي : لا ولد لها تحن إليه. وقيل : الودود فعول بمعنى مفعول ، كركوب وحلوب ، أي يوده عباده الصالحون. (ذُو الْعَرْشِ) : خص العرش بإضافة نفسه تشريفا للعرش وتنبيها على أنه أعظم المخلوقات. وقرأ الجمهور : (ذُو) بالواو ؛ وابن عامر في رواية : ذي بالياء ، صفة لربك. وقال القفال : (ذُو الْعَرْشِ) : ذو الملك والسلطان. ويجوز أن يراد بالعرش : السرير العالي ، ويكون خلق سريرا في سمائه في غاية العظمة ، بحيث لا يعرف عظمته إلا هو ومن يطلعه عليه ، انتهى. وقرأ الحسن وعمرو بن عبيد وابن وثاب والأعمش والمفضل عن عاصم والأخوان : (الْمَجِيدُ) بخفض الدال ، صفة للعرش ، ومجادته : عظمه وعلوّه ومقداره وحسن صورته وتركيبه ، فإنه قيل : العرش أحسن الأجسام صورة وتركيبا. ومن قرأ : ذي العرش بالياء ، جاز أن يكون المجيد بالخفض صفة لذي ، والأحسن جعل هذه المرفوعات أخبارا عن هو ، فيكون (فَعَّالٌ) خبرا. ويجوز أن يكون (الْوَدُودُ ذُو الْعَرْشِ) صفتين للغفور ، و (فَعَّالٌ) خبر مبتدأ وأتى بصيغة فعال لأن ما يريد ويفعل في غاية الكثرة ، والمعنى : أن كل ما تعلقت به إرادته فعله لا معترض عليه.
(هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ) : تقرير لحال الكفرة ، أي قد أتاك حديثهم ، وما جرى لهم مع أنبيائهم ، وما حل بهم من العقوبات بسبب تكذيبهم ، فكذلك يحل بقريش من العذاب مثل ما حل بهم. والجنود : الجموع المعدّة للقتال. (فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ) : بدل من (الْجُنُودِ) ، وكأنه على حذف مضاف ، أي جنود فرعون ، واختصر ما جرى لهم إذ هم مذكورون في غير ما سورة من القرآن. وذكر ثمود لشهرة قصتهم في بلاد العرب وهي متقدّمة ، وذكر فرعون لشهرة قصته عند أهل الكتاب وعند العرب الجاهلية أيضا. ألا ترى إلى زهير بن أبي سلمى وقوله :