وقال الفراء وجماعة : هذا استثناء صلة في الكلام على سنة الله تعالى في الاستثناء ، وليس ثم شيء أبيح استثناؤه.
وأخذ الزمخشري هذا القول فقال : وقال : إلا ما شاء الله ، والغرض نفي النسيان رأسا ، كما يقول الرجل لصاحبه : أنت سهيمي فيما أملك إلا ما شاء الله ، ولا يقصد استثناء شيء ، وهو من استعمال القلة في معنى النفي ، انتهى. وقول الفراء والزمخشري يجعل الاستثناء كلا استثناء ، وهذا لا ينبغي أن يكون في كلام الله تعالى ، بل ولا في كلام فصيح. وكذلك القول بأن لا في (فَلا تَنْسى) للنهي ، والألف ثابتة لأجل الفاصلة ، وهذا قول ضعيف. ومفهوم الآية في غاية الظهور ، وقد تعسفوا في فهمها. والمعنى أنه تعالى أخبر أنه سيقرئه ، وأنه لا ينسى إلا ما شاء الله ، فإنه ينساه إما النسخ ، وإما أن يسن ، وإما على أن يتذكر. وهو صلىاللهعليهوسلم معصوم من النسيان فيما أمر بتبليغه ، فإن وقع نسيان ، فيكون على وجه من الوجوه الثلاثة.
ومناسبة (سَنُقْرِئُكَ) لما قبله : أنه لما أمره تعالى بالتسبيح ، وكان التسبيح لا يتم إلا بقراءة ما أنزل عليه من القرآن ، وكان يتذكر في نفسه مخافة أن ينسى ، فأزال عنه ذلك وبشره بأنه تعالى يقرئه وأنه لا ينسى ، استثنى ما شاء الله أن ينسيه لمصلحة من تلك الوجوه. (إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ) : أي جهرك بالقرآن ، (وَما يَخْفى) : أي في نفسك من خوف التفلت ، وقد كفاك ذلك بكونه تكفل بإقرائك إياه وإخباره أنك لا تنسى إلا ما استثناه ، وتضمن ذلك إحاطة علمه بالأشياء. (وَنُيَسِّرُكَ) معطوف على (سَنُقْرِئُكَ) ، وما بينهما من الجملة المؤكدة اعتراض ، أي يوفقك للطريقة التي هي أيسر وأسهل ، يعني في حفظ الوحي. وقيل : للشريعة الحنيفية السهلة. وقيل : يذهب بك إلى الأمور الحسنة في أمر دنياك وآخرتك من النصر وعلو المنزلة والرفعة في الجنة. ولما أخبر أنه يقرئه وييسره ، أمره بالتذكير ، إذ ثمرة الإقراء هي انتفاعه في ذاته وانتفاع من أرسل إليهم. والظاهر أن الأمر بالتذكير مشروط بنفع الذكرى ، وهذا الشرط إنما جيء به توبيخا لقريش ، أي (إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى) في هؤلاء الطغاة العتاة ، ومعناه استبعاد انتفاعهم بالذكرى ، فهو كما قال الشاعر :
لقد أسمعت لو ناديت حيا |
|
ولكن لا حياة لمن تنادي |
كما تقول : قل لفلان وأعد له إن سمعك ؛ فقوله : إن سمعك إنما هو توبيخ وإعلام أنه لن يسمع. وقال الفراء والنحاس والزهراوي والجرجاني معناه : وإن لم ينفع فاقتصر على القسم الواحد لدلالته على الثاني. وقيل : إن بمعنى إذ ، كقوله : (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ