(الَّذِي خَلَقَ) : أي كل شيء ، (فَسَوَّى) : أي لم يأت متفاوتا بل متناسبا على إحكام وإتقان ، دلالة على أنه صادر عن عالم حكيم. وقرأ الجمهور : (قَدَّرَ) بشد الدال ، فاحتمل أن يكون من القدر والقضاء ، واحتمل أن يكون من التقدير والموازنة بين الأشياء. وقال الزمخشري : قدّر لكل حيوان ما يصلحه ، فهداه إليه وعرّفه وجه الانتفاع به ، انتهى. وقرأ الكسائي : قدر مخفف الدال من القدرة أو من التقدير والموازنة ، وهدى عام لجميع الهدايات. وقال الفرّاء : فهدى وأضل ، اكتفى بالواحدة عن الأخرى. وقال الكلبي ومقاتل : هدى الحيوان إلى وطء الذكور للإناث. وقال مجاهد : هدى الإنسان للخير والشر ، والبهائم للمراتع. وقيل : هدى المولود عند وضعه إلى مص الثدي ، وهذه الأقوال محمولة على التمثيل لا على التخصيص. والظاهر أن أحوى صفة لغثاء. قال ابن عباس : المعنى (فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى) : أي أسود ، لأن الغثاء إذا قدم وأصابته الأمطار اسود وتعفن فصار أحوى. وقيل : أحوى حال من المرعى ، أي أحرى المرعى أحوى ، أي للسواد من شدّة خضرته ونضارته لكثرة ريه ، وحسن تأخير أحوى لأجل الفواصل ، قال :
وغيث من الوسمي حوتلاعه |
|
تبطنته بشيظم صلتان |
(سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى) ، قال الحسن وقتادة ومالك : هذا في معنى (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ) (١). وعده الله أن يقرئه ، وأخبره أنه لا ينسى ، وهذه آية للرسول صلىاللهعليهوسلم في أنه أمّيّ ، وحفظ الله عليه الوحي ، وأمنه من نسائه. وقيل : هذا وعد بإقراء السور ، وأمر أن لا ينسى على معنى التثبيت والتأكيد ، وقد علم أن النسيان ليس في قدرته ، فهو نهي عن إغفال التعاهد ، وأثبتت الألف في (فَلا تَنْسى) ، وإن كان مجزوما بلا التي للنهي لتعديل رؤوس الآي.
(إِلَّا ما شاءَ اللهُ) ، الظاهر أنه استثناء مقصود. قال الحسن وقتادة وغيرهما : مما قضى الله نسخه ، وأن ترتفع تلاوته وحكمه. وقال ابن عباس : إلا ما شاء الله أن ينسيك لتسن به ، على نحو قوله عليه الصلاة والسلام : «أني لأنسى وأنسى لأسن». وقيل : إلا ما شاء الله أن يغلبك النسيان عليه ، ثم يذكرك به بعد ، كما قال عليه الصلاة والسلام ، حين سمع قراءة عباد بن بشير : «لقد ذكرني كذا وكذا آية في سورة كذا وكذا». وقيل : (فَلا تَنْسى) : أي فلا تترك العمل به إلا ما شاء الله أن تتركه بنسخه إياه ، فهذا في نسخ العمل.
__________________
(١) سورة القيامة : ٧٥ / ١٦.