وقال الزمخشري : فإن قلت : ما متعلق (أَرَأَيْتَ)؟ قلت : (الَّذِي يَنْهى) مع الجملة الشرطية ، وهما في موضع المفعولين. فإن قلت : فأين جواب الشرط؟ قلت : هو محذوف تقديره : (إِنْ كانَ عَلَى الْهُدى ، أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوى) ، (أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللهَ يَرى) ، وإنما حذف لدلالة ذكره في جواب الشرط الثاني. فإن قلت : فكيف صح أن يكون (أَلَمْ يَعْلَمْ) جوابا للشرط؟ قلت : كما صح في قولك : إن أكرمتك أتكرمني؟ وإن أحسن إليك زيد هل تحسن إليه؟ فإن قلت : فما (أَرَأَيْتَ) الثانية وتوسطها بين مفعولي (أَرَأَيْتَ)؟ قلت : هي زائدة مكررة للتوكيد ، انتهى.
وقد تكلمنا على أحكام (أَرَأَيْتَ) بمعنى أخبرني في غير موضع منها التي في سورة الأنعام ، وأشبعنا الكلام عليها في شرح التسهيل. وما قرره الزمخشري هنا ليس بجار على ما قررناه ، فمن ذلك أنه ادعى أن جملة الشرط في موضع المفعول الواحد ، والموصول هو الآخر ، وعندنا أن المفعول الثاني لا يكون إلا جملة استفهامية ، كقوله : (أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى ، وَأَعْطى قَلِيلاً وَأَكْدى ، أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ) (١) ، (أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وَقالَ لَأُوتَيَنَّ مالاً وَوَلَداً ، أَطَّلَعَ الْغَيْبَ) (٢) ، (أَفَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ) (٣) ، وهو كثير في القرآن ، فتخرج هذه الآية على ذلك القانون ، ويجعل مفعول (أَرَأَيْتَ) الأولى هو الموصول ، وجاء بعده (أَرَأَيْتَ) ، وهي تطلب مفعولين ، وأ رأيت الثانية كذلك ؛ فمفعول (أَرَأَيْتَ) الثانية والثالثة محذوف يعود على (الَّذِي يَنْهى) فيهما ، أو على (عَبْداً) في الثانية ، وعلى (الَّذِي يَنْهى) في الثالثة على الاختلاف السابق في عود الضمير ، والجملة الاستفهامية توالى عليها ثلاثة طوالب ، فنقول : حذف المفعول الثاني لأرأيت ، وهو جملة الاستفهام الدال عليه الاستفهام المتأخر لدلالته عليه. حذف مفعول أرأيت الأخير لدلالة مفعول أرأيت الأولى عليه. وحذفا معا لأرأيت الثانية لدلالة الأول على مفعولها الأول ، ولدلالة الآخر لأرأيت الثالثة على مفعولها الآخر. وهؤلاء الطوالب ليس طلبها على طريق التنازع ، لا ، الجمل لا يصح إضمارها ، وإنما ذلك من باب الحذف في غير التنازع. وأما تجويز الزمخشري وقوع جملة الاستفهام جوابا للشرط بغير فاء ، فلا أعلم أحدا أجازه ، بل نصوا على وجوب الفاء في كل ما اقتضى طلبا بوجه ما ، ولا يجوز حذفها إلا إن كان في ضرورة شعر.
__________________
(١) سورة النجم : ٥٣ / ٣٣ ـ ٣٥.
(٢) سورة مريم : ١٩ / ٧٧ ـ ٧٨.
(٣) سورة الواقعة : ٥٦ / ٥٨ ـ ٥٩.