القدر ظرفا للنزول ، بل على نحو قول عمر رضي الله تعالى عنه : لقد خشيت أن ينزل فيّ قرآن. وقول عائشة : لأنا أحقر في نفسي من أن ينزل فيّ قرآن. وقال الزمخشري : عظم من القرآن من إسناد إنزاله إلى مختصا به ، ومن مجيئه بضميره دون اسمه الظاهر شهادة له بالنباهة والاستغناء عن التنبيه عليه ، وبالرفع من مقدار الوقت الذي أنزل فيه. انتهى ، وفيه بعض تلخيص. وسميت ليلة القدر ، لأنه تقدر فيها الآجال والأرزاق وحوادث العالم كلها وتدفع إلى الملائكة لتمتثله ، قاله ابن عباس وقتادة وغيرهما. وقال الزهري : معناه ليلة القدر العظيم والشرف ، وعظم الشأن من قولك : رجل له قدر. وقال أبوبكر الوراق : سميت بذلك لأنها تكسب من أحياها قدرا عظيما لم يكن له قبل ، وترده عظيما عند الله تعالى. وقيل : سميت بذلك لأن كل العمل فيها له قدر وخطر. وقيل : لأنه أنزل فيها كتابا ذا قدر ، على رسول ذي قدر ، لأمة ذات قدر. وقيل : لأنه ينزل فيها ملائكة ذات قدر وخطر. وقيل : لأنه قدر فيها الرحمة على المؤمنين. وقال الخليل : لأن الأرض تضيق فيها بالملائكة ، كقوله : (وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ) (١) ، أي ضيق. وقد اختلف السلف والخلف في تعيين وقتها اختلافا متعارضا جدا ، وبعضهم قال : رفعت ، والذي يدل عليه الحديث أنها لم ترفع ، وأن العشر الأخير تكون فيه ، وأنها في أوتاره ، كما قال عليه الصلاة والسلام : «التمسوها في الثالثة والخامسة والسابعة والتاسعة». وفي الصحيح : «من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه».
(وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ) : تفخيم لشأنها ، أي لم تبلغ درايتك غاية فضلها ، ثم بين له ذلك. قال سفيان بن عيينة : ما كان في القرآن (وَما أَدْراكَ) ، فقد أعلمه ، وما قال : وما يدريك ، فإنه لم يعلمه. قيل : وأخفاها الله تعالى عن عباده ليجدوا في العمل ولا يتكلوا على فضلها ويقصروا في غيرها. والظاهر أن (أَلْفِ شَهْرٍ) يراد به حقيقة العدد ، وهي ثمانون سنة وثلاثة أعوام. والحسن : في ليلة القدر أفضل من العمل في هذه الشهور ، والمراد : (خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) عار من ليلة القدر ، وعلى هذا أكثر المفسرين. وقال أبو العالية : (خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) : رمضان لا يكون فيها ليلة القدر. وقيل : المعنى خير من الدهر كله ، لأن العرب تذكر الألف في غاية الأشياء كلها ، قال تعالى : (يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ) (٢) ، يعني جميع الدهر. وعوتب الحسن بن عليّ على تسليمه الأمر لمعاوية فقال : إن الله تعالى أرى في المنام نبيه صلىاللهعليهوسلم بني أمية ينزون على مقبرة نزو القردة ،
__________________
(١) سورة الطلاق : ٦٥ / ٧.
(٢) سورة البقرة : ٢ / ٩٦.