ابن عباس حين تماريا ، فرجع ابن عباس إلى قول علي رضي الله تعالى عنهما. وقالت صفية بنت عبد المطلب :
فلا والعاديات غداة جمع |
|
بأيديها إذا سطع الغبار |
وانتصب ضبحا على إضمار فعل ، أي يضبحن ضبحا ؛ أو على أنه في موضع الحال ، أي ضابحات ؛ أو على المصدر على قول أبي عبيدة أن معناه العدو الشديد ، فهو منصوب بالعاديات. وقال الزمخشري : أو بالعاديات كأنه قيل : والضابحات ، لأن الضبح يكون مع العدو ، انتهى. وإذا كان الضبح مع العدو ، فلا يكون معنى (وَالْعادِياتِ) معنى الضابحات ، فلا ينبغي أن يفسر به. (فَالْمُورِياتِ قَدْحاً) ، والإيراء : إخراج النار ، أي تقدح بحوافرها الحجارة فيتطاير منها النار لصك بعض الحجارة بعضا. ويقال : قدح فأورى ، وقدح فأصلد. وتسمى تلك النار التي تقدحها الحوافر من الخيل أو الإبل : نار الحباحب. قال الشاعر :
تقدّ السلو في المضاعف نسجه |
|
وتوقد بالصفاح نار الحباحب |
وقيل : (فَالْمُورِياتِ قَدْحاً) مجاز ، أو استعارة في الخيل تشعل الحرب ، قاله قتادة. وقال تعالى : (كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ) (١). ويقال : حمي الوطيس إذا اشتدّ الحرب. وقال ابن عباس ومجاهد وزيد بن أسلم : الموريات : الجماعة التي تمكر في الحرب ، والعرب تقوله إذا أرادت المكر بالرجل : والله لا يكون ذلك ، ولأورين لك. وعن ابن عباس أيضا : التي توري نارها بالليل لحاجتها وطعامها. وعنه أيضا : جماعة الغزاة تكثر النار إرهابا. وقال عكرمة : ألسنة الرجال توري النار من عظيم ما تتكلم به ، وتظهر من الحجج والدلائل ، وإظهار الحق وإبطال الباطل. (فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً) : أي تغير على العدو في الصبح ، ومن قال هي الإبل ، قال العرب تقول : أغار إذا عدى جريا ، أي من مزدلفة إلى منى ، أو في بدر ؛ وفي هذا دليل على أن هذه الأوصاف لذات واحدة ، لعطفها بالفاء التي تقتضي التعقيب. والظاهر أنها الخيل التي يجاهد عليها العدو من الكفار ، ولا يستدل على أنها الإبل بوقعة بدر ، وإن لم يكن فيها إلا فرسان ، لأنه لم يذكر أن سبب نزول هذه السورة هو وقعة بدر ، ثم بعد ذلك لا يكاد يوجد أن الإبل جوهد عليها في سبيل الله ، بل المعلوم أنه لا يجاهد في سبيل الله تعالى إلا على الخيل في شرق البلاد وغربها.
__________________
(١) سورة المائدة : ٥١ / ٦٤.