(الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ) (١). وقيل ذلك في قوله : (فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ) (٢). وقال الزجاج : هو تحذير ، والعرب تحذر وتغري بالرفع كالنصب ، قال الشاعر :
أخو النجدة السلاح السلاح
وقرأ عيسى : بالنصب ، وتخريجه على أنه منصوب بإضمار فعل ، أي اذكروا القارعة ، وما زائدة للتوكيد ؛ والقارعة تأكيد لفظي للأولى. وقرأ الجمهور : (يَوْمَ) بالنصب ، وهو ظرف ، العامل فيه ، قال ابن عطية : القارعة. فإن كان عنى بالقارعة اللفظ الأول ، فلا يجوز للفصل بين العامل ، وهو في صلة أل ، والمعمول بالخبر ؛ وكذا لو صار القارعة علما للقيامة لا يجوز أيضا ، وإن كان عنى اللفظ الثاني أو الثالث ، فلا يلتئم معنى الظرف معه. وقال الزمخشري : الظرف نصب بمضمر دل عليه القارعة ، أي تقرع يوم يكون الناس. وقال الحوفي : تأتي يوم يكون. وقيل : اذكر يوم. وقرأ زيد بن عليّ : يوم يكون مرفوع الميم ، أي وقتها. (يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ) ، قال قتادة : هو الطير الذي يتساقط في النار. وقال الفراء : غوغاء الجراد ، وهو صغيره الذي ينتشر في الأرض يركب بعضه بعضا من الهول. وقيل : الفراش طير دقيق يقصد النار ، ولا يزال يتقحم على المصباح ونحوه حتى يحترق. شبهوا في الكثرة والانتشار والضعف والذلة والمجيء والذهاب على غير نظام ، والتطاير إلى الداعي من كل جهة حتى تدعوهم إلى ناحية المحشر ، كالفراش المتطاير إلى النار. قال جرير :
إن الفرزدق ما علمت وقومه |
|
مثل الفراش عشين نار المصطلى |
وقرن بين الناس والجبال تنبيها على تأثير تلك القارعة في الجبال حتى صارت كالعهن المنفوش ؛ فكيف يكون حال الإنسان عند سماعها؟ وتقدم الكلام في الموازين وثقلها وخفتها في الأعراف ، وعيشة راضية في الحاقة. (فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ) : الهاوية دركة من دركات النار ، وأمه معناه مأواه ، كما قيل للأرض أم الناس لأنها تؤويهم ، وكما قال عتبة بن أبي سفيان في الحرب : فنحن بنوها وهي أمنا. وقال قتادة وأبو صالح وغيره : فأم رأسه هاوية في قعر جهنم لأنه يطرح فيها منكوسا. وقيل : هو تفاؤل بشر ، وإذا دعوا بالهلكة قالوا هوت أمه ، لأنه إذا هوى ، أي سقط وهلك فقد هوت أمه ثكلا وحزنا. قال الشاعر :
__________________
(١) سورة الحاقة : ٦٩ / ١ ـ ٢.
(٢) سورة الواقعة : ٥٦ / ٨.