والعدد أعماركم حتى متم. وسمع بعض الأعراب (حَتَّى زُرْتُمُ) فقال : بعث القوم للقيامة ، ورب الكعبة فإن الزائر منصرف لا مقيم. وعن عمر بن عبد العزيز نحو من قول الأعرابي. وقيل : هذا تأنيث على الإكثار من زيارة تكثرا بمن سلف وإشادة بذكره. وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم نهى عن زيارة القبور ، ثم قال : «فزوروها أمر إباحة للاتعاظ بها لا لمعنى المباهاة والتفاخر». قال ابن عطية : كما يصنع الناس في ملازمتها وتسنيمها بالحجارة والرخام ، وتلوينها شرفا ، وبيان النواويس عليه. وابن عطية لم ير إلا قبور أهل الأندلس ، فكيف لو رأى ما تباهي به أهل مصر في مدافنهم بالقرافة الكبرى ، والقرافة الصغرى ، وباب النصر وغير ذلك ، وما يضيع فيها من الأموال ، ولتعجب من ذلك ، ولرأى ما لم يخطر ببال؟
وأما التباهي بالزيارة ، ففي هؤلاء المنتمين إلى الصوف أقوام ليس لهم شغل إلا زيارة القبور. زرت قبر سيدي فلان بكذا ، وقبر فلان بكذا ، والشيخ فلانا بكذا ، والشيخ فلانا بكذا ؛ فيذكرون أقاليم طافوها على قدم التجريد ، وقد حفظوا حكايات عن أصحاب تلك القبور وأولئك المشايخ بحيث لو كتبت لجاءت أسفارا ، وهم مع ذلك لا يعرفون فروض الوضوء ولا سننه ، وقد سخر لهم الملوك وعوام الناس في تحسين الظن بهم وبذل أموالهم لهم. وأما من شذا منهم لأن يتكلم للعامة فيأتي بعجائب ، يقولون هذا فتح هذا من العلم اللدني علم الخضر ، حتى أن من ينتمي إلى العلم لما رأى رواج هذه الطائفة سلك مسلكهم ونقل كثيرا من حكاياتهم ومزج ذلك بيسير من العلم طلبا للمال والجاه وتقبيل اليد ؛ ونحن نسأل الله عزوجل أن يوفقنا لطاعته.
وقرأ الجمهور : ألهاكم على الخبر ؛ وابن عباس وعائشة ومعاوية وأبو عمران الجوني وأبو صالح ومالك بن دينار وأبو الجوزاء وجماعة : بالمد على الاستفهام ، وقد روي كذلك عن الكلبي ويعقوب ، وعن أبي بكر الصديق وابن عباس أيضا والشعبي وأبي العالية وابن أبي عبلة والكسائي في رواية : أألهاكم بهمزتين ، ومعنى الاستفهام : التوبيخ والتقرير على قبح فعلهم ؛ والجمهور : على أن التكرير توكيد. قال الزمخشري : والتكرير تأكيد للردع والإنذار ؛ وثم دلالة على أن الإنذار الثاني أبلغ من الأول وأشد ، كما تقول للمنصوح : أقول لك ثم أقول لك لا تفعل ، والمعنى : سوف تعلمون الخطاب فيما أنتم عليه إذا عاينتم ما قدامكم من هول لقاء الله تعالى.
وقال علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه : (كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ) في القبور ، (ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ) في البعث : غاير بينهما بحسب التعلق ، وتبقى ثم على بابها من المهلة