جاريان على ما أراد الله بهما ، من تسخيرهما وكينونتهما على ما اقتضته حكمته تعالى. ولما ذكر ما به حياة الأرواح من تعليم القرآن ، ذكر ما به حياة الأشباح من النبات الذي له ساق ، وكان تقديم النجم ، وهو مالا ساق له ، لأنه أصل القوت ، والذي له ساق ثمره يتفكه به غالبا. والظاهر أن النجم هو الذي شرحناه ، ويدل عليه اقترانه بالشجر. وقال مجاهد وقتادة والحسن : النجم : اسم الجنس من نجوم السماء. وسجودهما ، قال مجاهد والحسن : ذلك في النجم بالغروب ونحوه ، وفي الشجر بالظل واستدارته. وقال مجاهد أيضا : والسجود تجوز ، وهو عبارة عن الخضوع والتذلل. والجمل الأول فيها ضمير يربطها بالمبتدأ ، وأما في هاتين الجملتين فاكتفى بالوصل المعنوي عن الوصل اللفظي ، إذ معلوم أن الحسبان هو حسبانه ، وأن السجود له لا لغيره ، فكأنه قيل : بحسبانه ويسجدان له. ولما أوردت هذه الجمل مورد تعديد النعم ، رد الكلام إلى العطف في وصل ما يناسب وصله ، والتناسب الذي بين هاتين الجملتين ظاهر ، لأن الشمس والقمر علويان ، والنجم والشجر سفليان.
(وَالسَّماءَ رَفَعَها) : أي خلقها مرفوعة ، حيث جعلها مصدر قضاياه ومسكن ملائكته الذين ينزلون بالوحي على أنبيائه ، ونبه بذلك على عظم شأنه وملكه. وقرأ الجمهور : (وَالسَّماءَ) ، بالنصب على الاشتغال ، روعي مشاكلة الجملة التي تليه وهي (يَسْجُدانِ). وقرأ أبو السمال : والسماء بالرفع ، راعى مشاكلة الجملة الابتدائية. وقرأ الجمهور : (وَوَضَعَ الْمِيزانَ) ، فعلا ماضيا ناصبا الميزان ، أي أقره وأثبته. وقرأ إبراهيم : ووضع الميزان ، بالخفض وإسكان الضاد. والظاهر أنه كل ما يوزن به الأشياء وتعرف مقاديرها ، وإن اختلفت الآلات ، قال معناه ابن عباس والحسن وقتادة ، جعله تعالى حاكما بالسوية في الأخذ والإعطاء. وقال مجاهد والطبري والأكثرون : الميزان : العدل ، وتكون الآلات من بعض ما يندرج في العدل. بدأ أولا بالعلم ، فذكر ما فيه أشرف أنواع العلوم وهو القرآن ؛ ثم ذكر ما به التعديل في الأمور ، وهو الميزان ، كقوله : (وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ) (١) ، ليعلموا الكتاب ويفعلوا ما يأمرهم به الكتاب. (أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ) : أي لأن لا تطغوا ، فتطغوا منصوب بأن. وقال الزمخشري : أو هي أن المفسرة. وقال ابن عطية : ويحتمل أن تكون أن مفسرة ، فيكون تطغوا جزما بالنهي. انتهى ، ولا يجوز ما قالاه من أن أن مفسرة ، لأنه فات أحد شرطيها ، وهو أن يكون ما قبلها جملة فيها معنى القول.
__________________
(١) سورة الحديد : ٥٧ / ٢٥.