في أمورهم وحوائجهم. قال الزمخشري : (لَمْ يَلِدْ) ، لأنه لا يجانس حتى تكون له من جنسه صاحبة فيتوالدا ، ودل على هذا المعنى بقوله : (أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ) (١). (وَلَمْ يُولَدْ) : لأن كل مولود محدث وجسم ، وهو قديم لا أول لوجوده ، وليس بجسم ولم يكافئه أحد. يقال له كفو ، بضم الكاف وكسرها وفتحها مع سكون الفاء ، وبضم الكاف مع ضم الفاء. وقرأ حمزة وحفص : بضم الكاف وإسكان الفاء ، وهمز حمزة ، وأبدلها حفص واوا. وباقي السبعة : بضمهما والهمز ، وسهل الهمزة الأعرج وأبو جعفر وشيبة ونافع ، وفي رواية عن نافع أيضا كفا من غير همز ، نقل حركة الهمزة إلى الفاء وحذف الهمزة. وقرأ سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس : كفاء بكسر الكاف وفتح الفاء والمد ، كما قال النابغة :
لا تعذقني بركن لا كفاء له
الأعلم لا كفاء له : لا مثل له. وقال مكي سيبويه : يختار أن يكون الظرف خبرا إذا قدمه ، وقد خطأه المبرد بهذه الآية ، لأنه قدم الظرف ولم يجعله خبرا ، والجواب أن سيبويه لم يمنع إلغاء الظرف إذا تقدم ، إنما أجاز أن يكون خبرا وأن لا يكون خبرا. ويجوز أن يكون حالا من النكرة وهي أحد. لما تقدم نعتها عليها نصب على الحال ، فيكون له الخبر على مذهب سيبويه واختياره ، ولا يكون للمبرد حجة على هذا القول ، انتهى. وخرجه ابن عطية أيضا على الحال.
وقال الزمخشري : فإن قلت : الكلام العربي الفصيح أن يؤخر الظرف الذي هو لغو غير مستقر ولا يقدم ، وقد نص سيبويه على ذلك في كتابه ، فما باله مقدما في أفصح الكلام وأعربه؟ قلت : هذا الكلام إنما سيق لنفي المكافأة عن ذات الباري سبحانه وتعالى ، وهذا المعنى مصبه ومركزه هو هذا الظرف ، فكان لذلك أهم شيء وأعناه وأحقه بالتقديم وأحراه ، انتهى.
وهذه الجملة ليست من هذا الباب ، وذلك أن قوله : (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) ليس الجار والمجرور فيه تاما ، إنما هو ناقص لا يصلح أن يكون خبرا لكان ، بل هو متعلق بكفوا وقدم عليه. فالتقدير : ولم يكن أحد كفوا له ، أي مكافئه ، فهو في معنى المفعول متعلق بكفوا. وتقدم على كفوا للاهتمام به ، إذ فيه ضمير الباري تعالى. وتوسط الخبر ، وإن كان
__________________
(١) سورة الأنعام : ٦ / ١٠١.