ووجد صلىاللهعليهوسلم في نفسه خفة حتى انحلت العقدة الأخيرة ، فقام فكأنما نشط من عقال. ولما شرح أمر الإلهية في السورة قبلها ، شرح ما يستعاذ منه بالله من الشرّ الذي في العالم ومراتب مخلوقاته. والفلق : الصبح ، قاله ابن عباس وجابر بن عبد الله ومجاهد وقتادة وابن جبير والقرطبي وابن زيد ، وفي المثل : هو أبين من فلق الصبح ومن فرق الصبح ، وقال الشاعر :
يا ليلة لم أنمها بت مرتقبا |
|
أرعى النجوم إلى أن قدّر الفلق |
وقال الشاعر يصف الثور الوحشي :
حتى إذا ما انجلى عن وجهه فلق |
|
هاديه في أخريات الليل منتصب |
وقيل : الفلق : كلما يفلقه الله تعالى ، كالأرض والنبات والجبال عن العيون ، والسحاب عن المطر ، والأرحام عن الأولاد ، والحب والنوى وغير ذلك. وقال ابن عباس أيضا وجماعة من الصحابة والتابعين : الفلق : جب في جهنم ، ورواه أبو هريرة عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقالوا : لما اطمأن من الأرض الفلق ، وجمعه فلقان. وقيل : واد في جهنم. وقال بعض الصحابة : بيت في جهنم ، إذا فتح صاح جميع أهل النار من شدّة حره.
وقرأ الجمهور : (مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ) ، بإضافة شر إلى ما ، وما عام يدخل فيه جميع من يوجد منه الشر من حيوان مكلف وغير مكلف وجماد ، كالإحراق بالنار ، والإغراق بالبحر ، والقتل بالسم. وقرأ عمرو بن فايد : من شر بالتنوين. وقال ابن عطية : وقرأ عمرو بن عبيد ، وبعض المعتزلة القائلين بأن الله تعالى لم يخلق الشر : من شر بالتنوين ، ما خلق على النفي ، وهي قراءة مردودة مبنية على مذهب باطل ، الله خالق كل شيء ، ولهذه القراءة وجه غير النفي ، فلا ينبغي أن ترد ، وهو أن يكون (ما خَلَقَ) بدلا من (شَرِّ) على تقدير محذوف ، أي من شرّ شر ما خلق ، فحذف لدلالة شر الأول عليه ، أطلق أولا ثم عمّ ثانيا. والغاسق : الليل ، ووقب : أظلم ودخل على الناس ، قاله ابن عباس والحسن ومجاهد ، وزمّكه الزمخشري على عادته فقال : والغاسق : الليل إذا اعتكر ظلامه. من قوله تعالى : (إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ) (١) ، ومنه : غسقت العين : امتلأت دمعا ، وغسقت الجراحة : امتلأت دما ، ووقوبه : دخول ظلامه في كل شيء ، انتهى. وقال الزجاج : هو الليل لأنه أبرد من النهار ، والغاسق : البارد ، أستعيذ من شره لأنه فيه تنبث الشياطين والهوام والحشرات وأهل الفتك. قال الشاعر :
__________________
(١) سورة الإسراء : ١٧ / ٧٨.