يا طيف هند لقد أبقيت لي أرقا |
|
إذ جئتنا طارقا والليل قد غسقا |
وقال محمد بن كعب : النهار دخل في الليل. وقال ابن شهاب : المراد بالغاسق : الشمس إذا غربت. وقال القتبي وغيره : هو القمر إذا دخل في ساهوره فخسف. وفي الحديث : «نظر صلىاللهعليهوسلم إلى القمر فقال : يا عائشة ، نعوذ بالله من هذا ، فإنه الفاسق إذا وقب». وعنه صلىاللهعليهوسلم : «الغاسق النجم». وقال ابن زيد عن العرب : الغاسق : الثريا إذا سقطت ، وكانت الأسقام والطاعون تهيج عند ذلك. وقيل : الحية إذا لدغت ، والغاسق سم نابها لأنه يسيل منه. والنفاثات : النساء ، أو النفوس ، أو الجماعات السواحر ، يعقدن عقدا في خيوط وينفثن عليها ويرقين. وقرأ الجمهور : (النَّفَّاثاتِ) ؛ والحسن : بضم النون ، وابن عمر والحسن أيضا وعبد الله بن القاسم ويعقوب في رواية النافثات ؛ والحسن أيضا وأبو الربيع : النفثات بغير ألف ، نحو الخدرات. والاستعاذة من شرهن هو ما يصيب الله تعالى به من الشر عند فعلهن ذلك.
وسبب نزول هاتين المعوذتين ينفي ما تأوله الزمخشري من قوله : ويجوز أن يراد به النساء ذات الكيادات من قوله : (إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ) (١) ، تشبيها لكيدهن بالسحر والنفث في العقد ، أو اللاتي يفتن الرجال بتعرضهنّ لهم ، وعرضهنّ محاسنهن ، كأنهن يسحرنهم بذلك ، انتهى.
وقال ابن عطية : وهذا النفث هو على عقد تعقد في خيوط ونحوها على اسم المسحور فيؤذى بذلك ، وهذا الشأن في زماننا موجود شائع في صحراء المغرب. وحدثني ثقة أنه رأى عند بعضهم خيطا أحمر قد عقدت فيه عقد على فصلان ، فمنعت من رضاع أمهاتها بذلك ، فكان إذا حل عقدة جرى ذلك الفصيل إلى أمه في الحين فرضع ، انتهى.
وقيل : الغاسق والحاسد بالطرف ، لأنه إذا لم يدخل الليل لا يكون منسوبا إليه ، وكذا كل ما فسر به الغاسق. وكذلك الحاسد ، لا يؤثر حسده إذا أظهره بأن يحتال للمحسود فيما يؤذيه. أما إذا لم يظهر الحسد ، فإنما يتأذى به هو لا المحسود ، لاغتمامه بنعمة غيره. قال الزمخشري : ويجوز أن يراد بشر الحاسد إثمه وسماجة حاله في وقت حسده وإظهار أثره ، انتهى. وعم أولا فقال : (مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ) ، ثم خص هذه لخفاء شرها ، إذ يجيء من حيث لا يعلم ، وقالوا : شر العداة المراجي بكيدك من حيث لا تشعر ، ونكر غاسق وحاسد
__________________
(١) سورة يوسف : ١٢ / ٢٨.