لا تظهر ، فإذا ذاق الإنسان من الملح المنبث فيه تلك الأجزاء الدقيقة لم يحس إلا الملوحة ، والمعقول يشهد بذلك ، لأن تداخل الأجسام غير ممكن ، لكن التفرق والالتقاء ممكن. وأنشد القاضي منذر بن سعيد البلوطي ، رحمهالله تعالى :
وممزوجة الأمواه لا العذب غالب |
|
على الملح طيبا لا ولا الملح يعذب |
وقرأ الجمهور : (يَخْرُجُ) مبنيا للفاعل ؛ ونافع وأبو عمرو وأهل المدينة : مبنيا للمفعول ؛ والجعفي ، عن أبي عمرو : بالياء مضمومة وكسر الراء ، أي يخرج الله ؛ وعنه وعن أبي عمرو ، وعن ابن مقسم : بالنون. واللؤلؤ والمرجان نصب في هاتين القراءتين. والظاهر في (مِنْهُمَا) أن ذلك يخرج من الملح والعذب. وقال بذلك قوم ، حكاه الأخفش. ورد الناس هذا القول ، قالوا : والحس يخالفه ، إذ لا يخرج إلا من الملح ، وعابوا قول الشاعر :
فجاء بها ما شئت من لطيمة |
|
على وجهها ماء الفرات يموج |
وقال الجمهور : إنما يخرج من الأجاج في المواضع التي تقع فيها الأنهار والمياه العذبة ، فناسب إسناد ذلك إليهما ، وهذا مشهور عند الغواصين. وقال ابن عباس وعكرمة : تكون هذه الأشياء في البحر بنزول المطر ، لأن الصدف وغيرها تفتح أفواهها للمطر ، فلذلك قال (مِنْهُمَا). وقال أبو عبيدة : إنما يخرج من الملح ، لكنه قال (مِنْهُمَا) تجوزا. وقال الرماني : العذب فيها كاللقاح للملح ، فهو كما يقال ؛ الولد يخرج من الذكر والأنثى. وقال ابن عطية ، وتبع الزجاج من حيث هما نوع واحد ، فخروج هذه الأشياء إنما هي منهما ، وإن كانت تختص عند التفصيل المبالغ بأحدهما ، كما قال : (سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً ، وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً) (١) ، وإنما هو في إحداهن ، وهي الدنيا إلى الأرض. وقال الزمخشري نحوا من قول ابن عطية ، قال : فإن قلت : لم قال (مِنْهُمَا) ، وإنما يخرجان من الملح؟ قلت : لما التقيا وصارا كالشيء الواحد ، جاز أن يقال : يخرجان منهما ، كما يقال : يخرجان من البحر ، ولا يخرجان من جميع البحر ، ولكن من بعضه. وتقول : خرجت من البلد ، وإنما خرجت من محلة من محالة ، بل من دار واحدة من دوره. وقيل : لا يخرجان إلا من ملتقى الملح والعذب. انتهى. وقال أبو علي الفارسي : هذا من باب حذف المضاف ، والتقدير : يخرج من أحدهما ، كقوله تعالى :
__________________
(١) سورة نوح : ٧١ / ١٥ ـ ١٦.