بلا هجر ، ولا ضرب (١) فلعلها تبدي عذرا وتتوب عما جرى منها من غير عذر.
والوعظ (٢) كأن يقول : اتقي الله في الحق الواجب لي عليك ، واحذري العقوبة ، ويبين لها ما يترتب على ذلك (٣) من عذاب الله تعالى في الآخرة ،
______________________________________________________
ـ ومنشأ الخلاف في الموردين هو دلالة ظاهر الآية عند ذكر الثلاثة حيث قال تعالى (وَاللّٰاتِي تَخٰافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضٰاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلٰا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً) (١).
فالآية مشتملة على ذكر الأمور الثلاثة مع العطف بالواو المفيد للتخيير أو الجمع ، مع أن الآية قد علقت الأمور الثلاثة على خوف النشوز ولم تعلقها على نفس النشوز ، فالمحقق في النافع جعل الأمور الثلاثة عند ظهور أمارة النشوز إجراء للخوف على ظاهره الذي لا يتحقق إلا بتحقق أمارة النشوز ، وجعل الثلاثة على الترتيب فتقدم الموعظة فإن لم تنجع فالهجر ، فإن لم يفد فالضرب ، ولم يذكر حكم النشوز بالفعل ، وابن الجنيد جعل الأمور الثلاثة مترتبة على النشوز بالفعل ولم يذكر الحكم عند ظهور أماراته ، وجوّز الجمع بين الثلاثة ابتداء من غير تفصيل ، وجعل الخوف بمعنى العلم كقوله تعالى : (فَمَنْ خٰافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً) (٢) ، والمحقق في الشرائع والشيخ في المبسوط والعلامة في القواعد جعلوا الوعظ والهجر معلقين على ظهور أمارات النشوز ، والضرب مشروطا بحصول النشوز بالفعل ، مع أن ظاهر الآية جواز الضرب مع الخوف ، إلا أن الضرب عقوبة وتعزير والأصل فيها أن تكون منوطة بالحاكم ، والمحرّم على الزوجة هو النشوز وظهور أماراته لا يفيد اليقين به فلا ينبغي العقوبة على الذنب قبل وقوعه فلا بد من تحقق النشوز حتى يجوز الضرب ، فمرجع هذا القول إلى الأخذ بظاهر الآية مع مراعاة الاحتياط ، وعن العلامة في التحرير أن الوعظ مع ظهور أمارات النشوز ، ومع تحقق النشوز فالهجر ، فإذا أصرت عليه فالضرب ، ويكون المعنى في الآية واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن ، فإن نشزن فاهجروهن في المضاجع ، فإن أصررن فاضربوهن ، وهذا ما مال إليه الشارح هنا.
(١) ظاهره الترتيب بين الأمور الثلاثة ، لا التخيير ولا الجمع وهو الأوفق لمراتب النهي عن المنكر.
(٢) فالمراد به تخويفها بالله سبحانه وتعالى وذكر ما ورد من حق الزوج على الزوجة مع بيان أن النشوز يسقط النفقة وحق القسم ، وقد تتأدب في ذلك.
(٣) أي على النشوز.
__________________
(١) سورة النساء ، الآية : ٣٤.
(٢) سورة البقرة ، الآية : ١٨٢.