وذهلت بمحبته ودلاله التي وعدت بها فكانت تقول : وإله السماء لقد قبل نذري وشكر سعيي وأجيبت دعوتي ، لأنزلن محمّدا من قلبي منزلة صميم الاحشاء ولألهون برؤيته عن كلّ نظرائه ، ومن أولى بذلك ممّن أعطي مثله ، وليس هذا من أمر الخلق بل هو من عند الإله العظيم.
فكانت قد جعلته صلّى الله عليه وآله نصب عينها ان غاب لحظة لم يغب عنها مثاله ولم يفقد شخصه وتذهل حتى تحضره فتشتغل بتغذيته وغسله وتنظيفه وتلبيسه وتدهينه وتعطيره واصلاح شأنه وتعاهد ارضاعه بالنهار فإذا كان بالليل اشتغلت بفرشه ونومه وتوسيده وتمهيده وتعوّذه وتنيمه
قال : وكانت في دار أبي طالب نخلة منعوتة بكثرة الحمل موصوفة بالرّقة وعذوبة الطعم شهية المضغ يعقب طعمها رايحة طيبة عطرية كرائحة الزعفران المذاب بالعسل ، كثيرة اللحا قليلة السحا ، دقيقة النوى فكان رسول الله صلّى الله عليه وآله يأتي إليها كلّ غداة مع أتراب له منهم أبو سفيان بن الحرث بن عبد المطلب ابن عمه وأبو سلمة بن عبد الأسد ومشروح بن نويبة فيلتقطون ما يتساقط تحتها من ثمرها بهبوب الرياح ووقوع الطير ونقره.
وكانت فاطمة بنت أسد لا ترى رسول الله صلّى الله عليه وآله يسابق اترابه على البسر والبلح والرطب في أوانه ، وكان الغلمة يبادرون لذلك وهو ـ عليه السّلام ـ يمشي بينهم وعليه السكينة والوقار بتواضع وابتسام ويتعجب من حرصهم وعجلتهم ، فكان ان وجد شيئا ساقطا بعدهم أخذه وإلّا انصرف بوجه منبسط طلق وبشر حسن.
فكانت فاطمة تعجب من شدّة حيائه وطيب شأنه ورقّة قلبه وسرعة دمعته وكثرة رخمته ، فربما جمعت له من تمر النخلة قبل مجيئهم فاذا أقبل صلّى الله عليه وآله قدّمته إليه ، فيحبّ أن يأكله معهم.
قالت فاطمة : ودخل على أترابه يوما وأنا مضطجعة ولم أره معهم فقلت : اين محمد؟.
قالوا : مع عمّه أبي طالب وراءنا.