وأنفذ الكتاب سرّا من كلّ قريب وبعيد وخاص به وعام ، الى الحجاج وأمره أن يكتمه.
قال العالم : فكتب إليه علي بن الحسين عليهما السّلام في ذلك اليوم من ذلك الشهر : بسم الله الرحمن الرحيم. من علي بن الحسين الى عبد الملك بن مروان. أما بعد ؛ فانّك كتبت في ساعة كذا من يوم كذا في شهر كذا الى الحجاج بن يوسف بكذا وكذا وكذا وان الله عز وجل قد عرف ذلك لك وأمهلك في ملكك وزاد فيه برهة من دهرك.
وطوى الكتاب وأنفذه إليه. فلما قرأه عبد الملك اشتدّ سروره ، فأوقر راحلة الرسول عينا وورقا.
وكانت مدّة عبد الملك نيفا وعشرين سنة ثم مات وبويع لابنه الوليد في سنة ست وثمانين من الهجرة وذلك في سنة ست وعشرين من إمامة أبي محمّد علي بن الحسين عليه السّلام ، ونازعه عمّه محمد بن الحنفية في الإمامة وادّعى ان الأمر له بعد أخيه الحسين عليه السّلام فناظره واحتجّ عليه بآي من القرآن وقول الله عز وجل (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ) وان هذه الآية جرت فيه ونزلت له ولولده من بعده.
فلم يثنه ذلك عن منزلته ، فقال له عليه السّلام : فنتحاكم الى الحجر الأسود.
فقال له محمد : كيف تحاكمني الى حجر لا يسمع ولا يجيب؟ وكيف يخلو المكان من الناس وأهل الموسم؟
فأعلمه ان الله ـ جل جلاله ـ يحسّه وينطقه بالحكم فينا.
فمضى محمد معه متعجبا حتى انتهيا الى الحجر الأسود. فقال علي عليه السّلام : يا عم فكلّمه.
فتقدّم محمّد فوقف حياله وكلّمه. فأمسك عنه ولم يجبه.
وتقدّم علي عليه السّلام فوضع يده المباركة الطاهرة عليه ثم قال : اللهم انّي أسألك باسمك المكتوب في سرادق العظمة. ـ ودعا بما أحب ـ لما انطقت هذا الحجر.
ثم قال : أيها الحجر أسألك بالذي جعل فيك مواثيق العباد والشهادة لمن وافاك واستلمك ، لما أخبرت لمن الوصيّة والإمامة بعد الحسين بن علي عليه السّلام؟