ما في دجلة ؛ وكانا جالسين على دجلة. فقال له أبو جعفر عليه السّلام : يقدر الله عز وجل أن يفوّض علم ذلك الى بعوضة من خلقه؟
قال : نعم ، يقدر. فقال : أنا أكرم على الله من بعوضته.
ثم خرج عليه السّلام ـ في السنة التي خرج فيها المأمون الى «البليدون» من بلاد الروم ـ بام الفضل حاجا الى مكّة وأخرج أبا الحسن عليا ابنه معه عليهما السّلام وهو صغير فخلفه بالمدينة وانصرف الى العراق ومعه أم الفضل بعد أن أشار الى أبي الحسن ونصّ عليه وأوصى إليه.
وتوفي المأمون ب «بليدون» في يوم الخميس لثلاثة عشرة ليلة مضت من رجب سنة ثماني عشرة ومائتين في ست عشرة سنة من إمامة أبي جعفر عليه السّلام وبويع للمعتصم ابي اسحاق محمد بن هارون في شعبان سنة ثماني عشرة ومائتين.
فلما انصرف أبو جعفر عليه السّلام الى العراق لم يزل المعتصم وجعفر بن المأمون يدبرون ويعملون في الحيلة في قتله فقال جعفر لاخته أم الفضل وكانت لامه وأبيه في ذلك ؛ لأنّه وقف على انحرافها عنه وغيرتها عليه لتفضيله أم أبي الحسن ابنه عليها مع شدّة محبتها له ولأنّها لم ترزق منه ولدا. فأجابت أخاها جعفرا وجعلوا سمّا في شيء من عنب رازقي وكان يعجبه العنب الرازقي. فلما أكل منه ندمت وجعلت تبكي.
فقال لها : ما بكاؤك؟ والله ليضربنك الله بفقر لا ينجي وبلاء لا ينستر.
فبليت بعلّة في أغمض المواضع من جوارحها صارت «ناسورا» ينتقض عليها في كلّ وقت. فأنفقت مالها وجميع ملكها على تلك العلّة حتى احتاجت الى رفد الناس.
ويروى ان الناسور كان في فرجها. وتردّى جعفر بن المأمون في بئر فاخرج ميتا وكان سكران.
ولما حضرته الوفاة عليه السّلام نص على أبي الحسن وأوصى إليه وكان سلّم المواريث والسلاح إليه بالمدينة ، ومضى صلّى الله عليه في سنة عشرين ومائتين من الهجرة في يوم الثلاثاء لخمس خلون من ذي الحجة فكانت سنّه أربعة وعشرين سنة وشهورا لأن مولده كان في سنة خمسة وتسعين ومائة فأقام مع أبيه عليهما السّلام ست سنين وشهورا وأقام بعده ثماني عشرة سنة ودفن ببغداد في تربة جدّه أبي إبراهيم موسى بن جعفر عليهما السّلام.