فهبط وقد اشتد جوعه فرأى دخانا فقصده فوجد عجوزا كبيرة وقد خبزت قرصين على مقلي. فقال لها : ايتها المرأة اطعميني فاني مجهود بالجوع.
فقالت له : هما قرصان احدهما لي والآخر لولدي فان اطعمتك قرصي تلفت وان أطعمتك قرص ابني هلك.
فقال لها : ابنك صغير ونصف قرص يكفيه.
فأجابته. فأخذت القرص فكسرته نصفين ودفعت إليه.
فلما رأى الصبي انّه شورك في قرصه تضوّر واضطرب ومات.
فقالت امّه : يا عبد الله قتلت ولدي.
فقال لها إدريس : أنا أحييه بإذن الله.
فأخذ بعضدي الصبي ثم قال : أيتها الروح الخارجة ارجعي الى بدن هذا الغلام بإذن الله.
فلما سمعت المرأة كلامه ونظرت الى ابنها قد تحرّك وعاش قالت : اشهد إنّك إدريس وخرجت تنادي بأعلى صوتها في القرية : ابشروا بالفرج.
وجلس إدريس على تل من مدينة الملك الجبّار فاجتمع إليه نفر من شيعته فقالوا له : ما رحمتنا هذه العشرين سنة قد مسّنا الضرّ والجوع والجهد ادع الله لنا فقال : لا أدعو حتى يأتيني الجبّار وجميع أهل مملكته مشاة حفاة.
واتصل الخبر بالملك ، فبعث بجماعة وأمرهم باحضاره فلما قربوا منه دعا عليهم فماتوا ثم بعث إليه بخمسمائة رجل فدعا عليهم فماتوا فصار أهل المدينة إلى الجبّار فقالوا : أيّها الملك إن إدريس نبيّ مستجاب الدعوة ولو دعا على الخلق لماتوا. وسألوه المصير إليه.
فصار إليه هو وأهل مملكته مشاة حفاة فوقفوا بين يديه خاضعين طالبين ، فقال إدريس : اما الآن فنعم.
فسأل الله أن يمطرهم ، فأظللهم سحابة من ساعتهم حتى ظنّوا انّه الغرق. فلم يزل إدريس يدبّر أمر الله وعلمه وحكمته حتى ما ظهر من ذلك وما بطن حتى أراد الله