يأتي بعد ذلك زائرا فأتاه يوما لم يصادفه فجمع أولاد إسماعيل وزوجته الجرهمية ودعا لهم وبرّهم فلما رأت المرأة ذلك سألته النزول عندهم والغداء معهم فأبى. فسألته شرب اللبن ففعل. واستأذنته في غسل رأسه وهو على راحلته وقرّبت الجرهمية إليه حجرا فوضع إحدى رجليه عليه ودلت رأسه فغسلت إحدى شقيّه وألان الله ذلك الحجر تحت قدمه حتى غاصت قدمه فيه ثم دارت الحجر إلى الجانب الآخر فغسلت الشقّ الآخر من رأسه وشعره وانغمست قدمه اليسرى في الحجر فهو المقام.
ورجع عليه السّلام الى الشام. فلما قربت وفاته قالت له سارة : قد كبرت وقرب أجلك وزيد في عمرك فتعبد وأنت خليل الرحمن فسأل الله أن ينسي في أجلك ويزيد في عمرك فتعيش معنا فسأل إبراهيم ربّه فأوحى الله إليه قد أجبتك إلى ما سألت ولن أتوفاك حتى تسألني ذلك فأخبر إبراهيم سارة بذلك فقالت : أشكر الله واعمل طعاما تدعو إليه المؤمنين.
فعمل طعاما وجمع الناس للأكل. وكان فيمن أتاه رجل كبير السن مكفوف. فلما جلس تناول من الطعام وأهوى به الى فيه فجعلت يده ترتعش وتذهب يمينا وشمالا من ضعفه ثم أهوى بيده الى جبهته مرّة وإلى عينه مرّة من الكبر والضعف.
فلما رأى إبراهيم ذلك قال : اللهم توفني في الأجل الذي كتبته لي في الزيادة عليه.
وروي انّه سمّي خليل الله لرفقه بالمساكين ومحبته لهم وانّه لم يكن يأكل طعاما إلّا معهم فحضر طعامه يوما وليس عنده أحد منهم فخرج يلتمس من يأكل معه فلم يجد إلّا رجلا مذموما منقطعا [مصابا] بالجذام وكان فيه عليه السّلام تعزز ؛ فدعاه إلى طعامه واحتمل ما دخل نفسه من أمره وكان طعامه اللبن. فجعل الرجل يأكل منه فإذا أخرج يده من الصحنة بقي أثر أصابعه في اللبن. فجعل ابراهيم يلسع موضع أصابعه فيأكله.
فلما فرغ من الأكل كشف عن الرجل الغطا فإذا هو جبرئيل عليه السّلام والطعام الذي يرى أنّه يأكله موضوع في إناء تحته فقال له : ان الله جل وعز يقرأ عليك السلام ويقول لك : قد اتّخذتك خليلا برحمتك للضعفاء المساكين.
وكان عمره فيما روي مائة وخمسا وسبعين سنة.