قال : ونا محمّد بن وهب بن عطية ، حدّثني الوليد بن مسلم ، حدّثني بعض أصحابنا أن يحيى بن زكريا قال : يا إخوتاه (١) إنّي رأيت كأن القيامة قد قامت وكأنّ الجبّار وضع كرسيّه لفصل القضاء ، فخررت ميتا ، يا إخوتاه إنّما هذا رآه روحي ، فكيف لو عاينته معاينة.
قال الوليد : فحدّثني رجل أنه قام بهذا الكلام في مدينة من مدائن خراسان فصعق جماعة فماتوا.
أنبأنا أبو جعفر أحمد بن محمّد بن عبد العزيز المكّي ، أنا الحسين بن يحيى بن إبراهيم ، أنا الحسين بن علي بن محمّد ، أنا علي بن عبد الله بن جهضم ، نا أحمد بن عيسى ، نا يوسف بن الحسين ، عن القاسم بن عثمان الجوعي ، قال : قال أبو سليمان : حدّثني من أثق به قال :
رأيت (٢) إبراهيم بن أدهم وقد أقبل على بعض إخوانه بطرسوس فقال له : أتحب أن تكون لله تعالى وليا ويكون لك (٣) محبّا؟ قال : نعم ، قال : دع الدنيا والآخرة لله عزوجل ، قال : فما ذا أصنع؟ قال له : اقبل على ربك بقلبك يقبل عليك بوجهه ، فإنه بلغني أنّ الله أوحى إلى يحيى بن زكريا : يا يحيى إني قضيت على نفسي أن لا يحبني أحد من خلقي أعلم ذلك من نيته إلّا كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، وفؤاده الذي يعقل به ، فإذا كنت له كذلك بغضت إليه الاشتغال بأحد غيري ، وأدمت فكرته ، وأسهرت ليله ، وأظمأت نهاره ، أطلع عليه كل يوم سبعين نظرة ، فأرى قلبه مشتغلا بي ، فأزداد من حبي في قلبه نورا ، حتى ينظر بنوري ، أقرّبه مني ، وأمسح برأسه ، وأضع يدي على ألمه ، فإنه لا يشكو إليّ ألمه لأنه مشغول بحبي عن ألم أوجاعه ، فإنه يعرف الألم إذا فقدني من قلبه ، وعند ما يطلبني كما تطلب الوالدة الشفيقة ولدها إذا غاب عنها ، أسمع خفقان فؤاده ، فأقول ما بال قلبه يخفق ، فيقول : حقيق على قلبي أن لا يسكن بعد أن مننت عليه بحبك ، فكيف يسكن قلبه يا يحيى وأنا جليسه وغاية أمنيته؟ وعزتي وجلالي لأبعثنه مبعثا يغبطه النبيّون والمرسلون ثم أمر مناديا ينادي : هذا حبيب الله وصفيّه ، دعاه الله إلى زيارته ، فإذا جاءني رفعت الحجاب في ما بيني وبينه ، فلمّا ذكر الحجاب صاح يحيى صيحة فلم يفق ثلاثة أيام ، قال : من لم يرض بك صاحبا فبمن يرضى؟ فكيف أصاحب خلقك وقد دعوتني إلى مصاحبتك؟.
__________________
(١) كذا بالأصل وم و «ز» : يا اخوتاه ، وفي المختصر : يا حوباه.
(٢) استدركت على هامش «ز» ، وبعدها صح.
(٣) في «ز» : وتكون لنا محبّا.