كان ملك هذه المدينة ـ يعني : دمشق ـ هداد بن هداد ، وكان قد زوّج ابنه بابنة أخيه ، تحت أخيه أزيل ملكة صيدا ، وكان قد حلف بطلاقها ثلاثا ، ثم إنه أراد مراجعتها ، فاستقضى يحيى بن زكريا صلىاللهعليهوسلم ، فقال يحيى بن زكريا : لا تحل لك حتى تنكح زوجا غيرك ، قال : فحقدت عليه أزيل ، وكان للملك ابنة يقال لها هروسة (١) ، وكان يحبها حبا شديدا ، وكان يخرجها إذا قدم عليه وفود الملوك فتزفن (٢) بين أيديهم ، قال : وكانت إذا زفنت (٣) قضى لها حاجة ، فقم عليه مرة وفود ملوك من ملوك الهند ، فقالت : يعني أزيل لابنتها من الليل : إن أباك يدعوك غدا ، فإذا زفنت وقال : سلي حاجتك ، فقولي حاجتي رأس يحيى بن زكريا ، ولا تقبلي منه إلّا رأسه ، قال : وأعطتها حين أصبحت طبقا ، فقالت : إذا قطع رأسه فاجعليه فوق هذا الطبق ، واحمليه على رأسك حتى تأتيني به.
قال : فلما أصبحت دعاها الملك ، فخرجت وهي مزيّنة ، ومعها ذلك الطبق ، قال : فأمر فضرب لها بالطبل والمزمار ، قال : فزفنت يومئذ زفنا ما زفنت قبله مثله (٤) ، فقال لها أبوها : سلي حاجتك ، فقالت : حاجتي رأس يحيى بن زكريا ، فقال : ويحك ، ما تصنعين برأس نبي من أنبياء الله؟ سلي غيره ما شئت ، قالت : ما لي حاجة غيره ، فإن (٥) أعطيتنيه وإلّا لم أسألك [شيئا](٦) بعده قال : فقال من حوله من وزراء السوء : امض حاجتها ، وشفّعنا في حاجتها ، وما رأس يحيى بن زكريا ورأس غيره إلّا سواء ، قال : فلمّا أكثروا عليه حتى غلبوه قال : اذهبوا فاعطوها رأسه ، قال : فخرج السّيّاف ومعه السيف ، وخرج الناس معها حتى أتوه وهو يصلي في ذلك المسجد الذي عند باب جيرون ، قال : فقال يحيى للسّيّاف : بما أمرت؟ قال : أمرت بضرب عنقك ، قال : ويحك ، ما تعلم أنّي نبي الله؟ قال : بلى ، ولكني مأمور ، قال : شقاء جدّك ، وعسى أن تكون صادقا ، قال : ورفع السيّاف السيف فضرب رأسه ، قال : فأخذت الرأس فوضعته على الطبق ، قال : فجعل يقول من فوق الطبق ، إنّها لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره ، قال : فلم يزل الرأس يقول ذلك ، وهي تمشي حتى انتهت إلى الفسقية
__________________
(١) كذا بالأصل وم ، وفي «ز» : «هاددريه».
(٢) تزفن أي ترقص. وفي م : «فنرفو» وفي «ز» ، والمختصر : فترقى.
(٣) في «ز» : «رقيت» وفي م : رفبت.
(٤) في «ز» : «قال : فرقيت يومئذ رقيا ما رقيت قبله مثله» والكلمات بدون إعجام في م.
(٥) بالأصل : قال ، تصحيف ، والتصويب عن م و «ز».
(٦) سقطت من الأصل ، واستدركت عن م ، و «ز».