قرن. لكن تثير هذه الروايات وتوحي بإمكانية جديرة بالنظر لم يتردد كرسويل (١) في درسها ، وقد سبقه إلى ذلك لامنس (٢) الذي يرى أن المقصود به عند سيف تصاوير جدارية وفسيفساء ذهبية على الطريقة البيزنطية. ويوافق كرسويل على وجود التأثير البيزنطي لكن بشكل آخر غير شكل الفسيفساء على الحجر. ينبغي البحث عن النموذج حسب رأيه ، في الصنف الكنسي من كنائس شمال الشام تلك التي استعمل فيها الخشب كمادة لبناء السقوف المستقيمة المستطيلة لا السقوف المقببة أو التي كانت على شكل القبة. ولعل هذا النمط المعماري يكون انتشر في شمال بلاد الرافدين عند قدوم الجيوش البيزنطية. ثم أورد كرسويل كمثال ، الرصافة التي يعود تاريخ الكنيسة الجامعة فيها إلى القرن السادس م ، وسرجيوبوليس ، وحلبية. لكن لا يكشف لنا كيف انتصر هذا النموذج في بلاد بابل ، ولا كيف أصبحت هذه البلاد تابعة ، من بعض الوجوه على الأقل للعمارة الشامية ، كما جرى في الجزيرة. ويكون سقف الظلّة حسب رأيه من خشب ، أقيم مباشرة على الأعمدة وبدون أقواس ، ولم يكن شكله مقببا. وهذا يستثني التفكير في النموذج الخاص ببلاد الرافدين المتضمن لسقف من لبن مخلوط بالقصب ، كما في نينوى وخورسباد ، وكما أيدته المصادر بالنسبة للبصرة الأولية. فهل أن المؤثرات الرومانية أو بالأحرى البيزنطية توقفت في مستوى الحيرة والكوفة ، ولم تتقدم أبعد من ذلك؟ في الحقيقة ، حتى لو شككنا في واقع هندسة معمارية جديرة بهذا الإسم في الكوفة المبكرة ، فإن مصادرنا تؤكد على وجود تأثير بيزنطي معين يخص الكوفة ، وهي صامتة عن البصرة. وبخلاف ذلك ، كانت صريحة إذ نسبت للبصرة مسجدا ، إمّا من النمط الذي قد ينتسب إلى بلاد الرافدين (٣) ، وإمّا من النمط العربي البدائي ، وهي تسكت عن هذا في خصوص الكوفة. ومهما كان الأمر ، وإذا صح أن وجود تيار من المبادلات بين بلاد بابل والشام يفرض نفسه على انتباهنا ، فإن المؤثرات الرومانية ـ البيزنطية التي لا شك في حضورها (٤) ، بقيت ضعيفة في تعابيرها المباشرة. وأكثر أهمية من هذا دون شك الدور الذي قامت به هذه المؤثرات في نشر المثال الهلينستي أو في المحافظة على مثاليته كمرجع معماري ، لكن أيضا وبالخصوص في نشر مفهوم المدينة المنشأة
__________________
(١) Ouvr.cit.,I ,pp.٧١ ـ ٨١.
(٢) Lammens,» Ziad Ibn Abihi, vice ـ roi de L\'Irak «, Rivista degli studi Orientali, IV, ٢١٩١, pp. ٧٤٢ ـ ٨٤٢.
(٣) «بنى أبو موسى الأشعري المسجد ودار الامارة باللبن والطين وغطاهما بالقصب» : البلاذري ، فتوح البلدان ، ص ٣٤٢. ها نحن قربنا كثيرا من نموذج نينوى وخرسباد الذي أشار إليه كرسويل. على إننا لا نجد ذلك بالنسبة للكوفة عند البلاذري ولا عند الطبري.
(٤) الظاهر أن ريح الشمال تصل إلى بلاد بابل لكنها لا تبلغ الجنوب.