باعتبارها المكان الأقدر على دعم أية هيمنة امبراطورية جديدة.
لا ريب أنه يوجد من الجانب الفارسي تلك الإرادية التمصيرية (١) ، التي ورثها العرب والتي كانت من الأسباب الجذرية لإنشاء الكوفة. لكن الكوفة ـ وهذا الفارق مع بغداد ـ لم ترد أن تكون حاضرة امبراطورية متجهة بكل قواها إلى التعبير عن العظمة الملكية لنفسها ، كما جرى الأمر بالنسبة للسوس واصطخر والمدائن. وإنما خضعت مثل المدينة الفارسية إلى سلطة مركزية ممتدة على تراب شاسع ، وأقحمت في شبكة إدارية لم تتغير ، هي شبكة الكور الساسانية. إن هذا المظهر الذي اتخذته الكوفة كمتصرفة في تراب محدود (٢) ، يمدد الواقع الفارسي ويناقض واقع الاستقلال النسبي الذي كانت عليه الحاضرة الهلينستية.
وبعد ، فلا أسلوب التخطيط ، ولا بنية الفضاء الكوفي الأول يبدوان مقتبسين شيئا من الأرث الفارسي. مع أن ما كان أكثر وضوحا من غيره هو الحضور الساساني. كان أشد تأكيدا في النصف الشرقي من العراق ـ سواد دجلة أو إقليم ديالا (٣) ، لكنه بارز أيضا في منطقة الفرات ، عبر أسماء المكان ومسح الأراضي وشبكة القنوات ، ومن خلال وجود إنشاء فارسي مثل الأنبار (٤). من الممكن ومن الواجب قطعا أن نقبل بوجود جانب كبير من الوساطة الفارسية في نقل التصورات البابلية والمقاربات الهلينستية للظاهرة المدنية ، لا أن نقبل المسعى الفارسي الصرف لهندسة المجالات. لقد كانت الكوفة مربعة الشكل فعلا ، غير مستديرة مثل درابجرد وأصفهان ، وحتى المدائن التي عرفها العرب وحدها في ذلك العصر. لكن بخصوص ما اقتبس من الفرس في المعمار فإن ذلك يظهر فورا للعيان. فقد ذكر أن الأحجار جلبت من الأهواز (خوزستان) لنحتها أعمدة عالية (إن هذه الظاهرة فارسية صرف تعود إلى عصر الاخمينيين) (٥) ، وأنها حملت سقفا مسطحا ، دون تقويس ، وهذا يسترعي الانتباه ، ففرض على كرسويل صورة آپادانا.Apadana وكان المهندسون من الفرس وقد ورد إسم رئيسهم ، وهو من همدان اسمه روزبه بن بزرجمهر ، وقيل أيضا انه صمم المركّب الموحد للمسجد والقصر. صحيح أن سيفا نفسه لم يقبل خبر نقل الأعمدة من
__________________
(١) راجع حول هذا المظهر من السياسة الساسانية :.Pigulevskaja ,p.٦٨١ ff
(٢) Aubin,» Ele ? ments pour l\'e ? tude des agglome ? rations Urbain dans L\'Iran me ? die ? val «in The Isla ـ mic City, pp. ٨٦ ـ ١٧. لكن تأثير الكوفة كان شاسعا فيما يتعلق بالعمليات العسكرية.
(٣) R. McAdams, Lands Behind Baghdad; a History of settlement on the Diyala Plains, Chicago, ٥٦٩١.
(٤) كانت منطقة الكوفة منطقة الثلاث بهقباذات التي نظمها أو أعاد تنظيمها الساسانيون.
(٥) رجع إليها الساسانيون :.Schlumberger ,Ouvr.cit.,pp.٧٦٥ ff