السابقين للعرب ، الذين بقوا في عين المكان في حمى تضاريس الجبال ، أو أنهم دحروا إلى الزاوية الجنوبية الغربية من بلاد العرب. أن لغتهم «الحميرية» أو اليمنية القديمة ، مع أنها قريبة من العربية ، فهي تختلف عنها (١) كما تختلف تماما كتابتهم عن الكتابة العربية المشتقة من النبطية أي فعلا من عالم الشمال ، مهد العرب الأوائل. وهناك تفرع ثنائي في النقوش اليمنية ، ضمن القبيلة نفسها كقبيلة همدان ، يفصل بين الأحمور والعرب ، أو بين الهجر والعرب (٢). وإذا كان التمييز الثاني يحيل إلى صنف العيش ، فإن التمييز الأول لعله قادر على إدخال معنى عرقي. من المؤكد جدا أن القبائل العربية سلطت ضغطا منذ وقت طويل وبصورة متزايدة خلال القرنين السابقين للإسلام ، وذلك لتعريب اليمن (٣) ثقافيا ولغويا.
كما أنه تم بصورة عكسية وعلى صعيد الشعور الانتمائي ، طبع هذه القبائل نفسها بالطابع اليمني. إن التاريخ النوعي لليمن ، وخصوصيته الحية ، وقوة النزاعات التي نشبت مع قيس في العصر الأموي (٤) ، كل ذلك يعود إلى الماضي البعيد جدا ويمكن تعليله بالفارق العرقي الأصيل. لكن من الصعب الإحتفاظ بهذه الفرضية ، نظرا للقرابة اللغوية الدالة على أصل مشترك لكنه بعيد ، بمعنى أنه تفريع انطلق من الرحم الشامي المسمى ساميا أو أمرهيا والذي سوف نسميه ع ر ب كما سيأتي بيانه. إن الفارق بين اليمن والعرب ناتج على الأرجح عن تطور طويل منفصل. على أنه من المحتمل أن هناك زادا أصليا متبقيا في الجانب الغربي من اليمن ، بتلك الأرض المجهولة التي لم تخلف لنا أية نقوش. يعني ذلك أن ما تبقى وجد عند الأمم التي لم تساهم في التاريخ اليمني لكونها مادة بشرية متبقية مسترقّة ، خاضعة ، متوحشة (٥). لا شك أن كل ما سبق ذكره هو من قبيل النقاش النظري حيث أنه لا يستند
__________________
(١). C. Contini ـ Rossini, Chrestomathia arabica meridionalis epigraphia, Rome, ١٣٩١ لكن المعجم الجديد الخاص باليمنية القديمة والعربية الذي نشره محمد الغول يدل على ما بين اللغتين من شديد القرابة.
(٢) الحديثي ، أهل اليمن في صدر الإسلام ، ص ٦٧.
(٣) مذحج وقبائل أخرى ، لا همدان. فقد استقرت قديما وطبعها الطابع البدوي لحد بعيد. أرادت مذحج طرد الفرس في حين عقدت همدان حلفا معهم ، وهذا تمايز دال : راجع الرازي ، تاريخ مدينة صنعاء ، ص ٣٧ ـ ٣٩.
(٤) H.Djai ? t ,art.cit.,pp.١٧١ ـ ٩٧١.
(٥) ياقوت ، المعجم ، ج ٥ ، ص ٤٤٢ ، يحدد مواطن جرهم الأولى في «تهائم اليمن» ، ويمكن أن نستنتج أيضا هذا الأمر من عدد الرقيق الضخم ، ومن استرقاق جموع كاملة داخل المجتمع ، ومن التمييز بين الفلاحين العاملين والرقيق الذين يشكلون فئة معينة بين السكان حتى ظهور الإسلام. إنه أمر يمكن مقارنته بنظام مدينة اسبارطة العتيقة والكلاسيكية. راجع بهذا الخصوص محمد حميد الله ، مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي ، القاهرة ، ١٩٥٦ ، ص ١٥١ ، حيث ذكر أن «الرقيق» يشكلون فئة متميزة من «العمال». والملاحظ أن ذا الكلاع كان يملك رقيقا يبلغ عددهم ١٢٠٠٠ ، راجع الإصابة ، ج ٢ ، ص ٤٢٨. ومن البديهي أنه يمكن أن يكون مصدر هذه الظاهرة ناتجا عن تطور داخلي.