استيعابهم وليس ضرورة أنهم كانوا غير عرب من حيث الجنس ، لكنهم ينتمون إلى الرحل (١). على أن العبارة في اللغة الأكادية تحيل إلى مفهوم يخصّ نمط العيش أكثر ممّا تحيل إلى مفهوم عرقي (٢). فيمكن وصف الأراميين أو أي شعب يقيم بالشمال الغربي الذي سوف يعرف ببلاد الشام ، بأنهم «ع ـ ر ـ ب ـ أ ـ أ» إذا ما وقع تصورهم بمثابة الرحل وهذا يعني أن العرب وحدهم قد استمروا في حياة الترحل ، وأن أولئك الذين استمروا من بعد على هذا النمط من الحياة قد تعربوا. هذا وحتى في الزمن الغابر وجدت عرقية عربية حددتها الأداة اللغوية ، وجرى على سبيل التيسير أو تجاوزا توطينها بمنطقة الجنوب الغربي السامي وذلك نظرا لهيمنة الآرامية على الشمال الغربي» (٣).
إن المطابقة بين مفهوم «عربي» ومفهوم الترحل بقيت حية حتى اليوم. هناك نقوش سبئية (٤) تعود إلى القرن الرابع بعد الميلاد ، تحدثت عن وجود «عرب» بصفتهم رحلا. وهناك كتابات متأخرة أقوى دلالة ، وهي تقسم القبائل اليمنية إلى «أحمور» و «عرب» استنادا إلى نمط العيش قطعا. ويجب أن يلاحظ بخصوص القرآن أنه لا يستعمل أبدا الإسم الموصوف عرب ، وبذا فهو لا يسمى العرب في مجموعهم أبدا مستعملا اسما مشتقا هو أعراب للدلالة على البدو (٥) ، ومستخدما صفة عربي نعتا لغويا فحسب. إن استخدام كلمة عرب من قبل المصادر التي تلت ظهور القرآن واعتمدت أحاديث الرسول وأقوال الخلفاء الراشدين ولا سيما عمر (٦) ، تنطبق دون ريب على قبائل الرحل ، لا على كل العرب بصفتهم مجموعة عرقية ، مع أن الشعور بالانتماء العرقي أو بالهوية الثقافية كان شديدا قبيل ظهور الإسلام ، ولعل ذلك كان أشد عند الرحل منه عند سكان المدن ، كما بيّن ذلك فون
__________________
(١) Ibid.,p.٠٨. حيث نجده يؤيد الرأي المعاكس.
(٢).Ran Zadok ,art.cit.,p.٤٤ وهو يعتمد عدة مؤلفين منهم Montgomery وEph\'al وغيرهما ، وكلهم جادون في إنكار كل صبغة عرقية وبالتالي كل استمرار تاريخي على مفهوم «عرب».
(٣).Ibid.,p.٤٥ لكن أسماء العرب الأوائل في الشمال (ص ٧٦ ـ ٧٩) كانت موجودة كثيرا ، كأهالي ثمود وتيماء. وقد فحص نولدكه No ? ldeke الأسماء النبطية مشددا القول على أنهم «عرب خلص» رغم أنهم كانوا يتكلمون بسهولة الآرامية : Art.» Nabate ? ens «,E.I. / I.
(٤) W.Caskel ـ A.Grohmann ,art.» Arab «,E.I. / ٢ ، عبد العزيز الدوري ، التكوين التاريخي للأمة العربية ، ص ١٨ ؛ خالد العسلي ، «العرب في النقوش القديمة» ، مجلة العرب ، مجلد ٥ ، ١٩٧١ ، ص ٤١٠ وما بعدها.
(٥) القرآن ، «سورة الحجرات» ١٤ ؛ «سورة التوبة» ٩٧ و ٩٨ ـ ٩٩ ـ ١٠١. ليس الحكم سلبيا دوما لكن المقابلة المتجاورة بين كلمتي أعراب وأهل المدينة ، (١٠١) ، ملفتة للنظر. أما الوصف اللغوي فيظهر في كلمة معروفة هي «قرآن عربي» سورة طه ، ١١٣.
(٦) الطبري ، ج ٥ ، ص ٤١ ؛ البلاذري ، فتوح .. ص ٢٧٥. إلا أن الدوري يذكر أن كلمة عرب وردت مرتين بمعنى مجموع العرب : مرجع مذكور ، ص ١٩.