كان يتحول إلى زاوية من ٩٠ درجة؟ أم أن تحوله نصف دائري؟ أو بواسطة نسق كامل من السكك المائلة تتسبب في تعقيد التخطيط تعقيدا عجيبا؟ أم بالخلط بين النمط التعامدي والنمط المائل ، هو الحال تقريبا في كل مدينة؟
هذه قضايا مستعصية على الحل. لكنّ تشابك الطرق ثابت ، بحيث أن تقاطعا ما ينقذ المدينة من الاختناق ويكفل الاتصالات المعقلنة. ولا مراء في أن فكرة انتظام تخطيط الكوفة تفرض علينا وجودها مجدّدا وبقوة.
٤) إذا وجب اعتبار سكة لحام جرير كأحد الشوارع التي تقطع الجانب الشرقي من المدينة لا كشارع يتجه إلى الشمال الشرقي وينفتح على الجسر كما تصوره ماسينيون (١) فإن وضع سكة البريد يبقى في غموض دائم على الرغم من التوضيح الحاسم الذي قدمته النصوص التي روت قضية شبيب. يبقى غامضا لما ينطوي عليه من مخاطر الاسقاطات الزمنية ، التي قد تنجم عن التسمية كما عن الأمر ذاته. وإذا ما صدقنا البلاذري فإن سكة لحام جرير خطأ تاريخي ، وهو الذي جزم بأن تسمية بعض الأماكن بأسماء فارسية حصل بعد مجيء جند خراسان (أي بعد سنة ١٣٢ ه) (٢). لكن لعلها كانت موجودة حتى قبل ذلك خلال ولاية الحجاج باسم جرير اللحام وحتى بدون إسم بالمرة. أما بخصوص سكة البريد ، فالشك ما زال قائما ، وقد أشرنا إلى تخميننا ذاك ، وهو يتمثل في وجود سكة البريد في العصر العباسي في اتجاه بغداد. ألم تكن طريق النخيلة أكثر استخداما للذهاب إلى دمشق؟
لماذا تضارب أبو مخنف والمصادر الأخرى بصفة عامة ، فقيل لنا إن الطريق كانت تمر بأرحب وشاكر (٣) من جهة وإنها كانت تشكل خطا مستقيما يربط بين القصر وشمالي السبخة والجسر كما هو محتمل من جهة أخرى (٤)؟ ألم تتطابق الذكريات بخصوص طريقتين متواليتين
__________________
(١) Massignon ,op.cit.,p.٢٤.
(٢) فتوح البلدان ، ص ٢٨١. لم يذكر البلاذري بالمرة سكة لحام جرير بل أشار إلى هذه الظاهرة عند حديثه عن حجام عنترة وأماكن أخرى بالكوفة ، ويمكن أن يشمل ذلك اسم المكان الذي نحن بصدد النظر فيه وقام ماسينيون بذلك : op.cit.,p.٥٤ ، واستنتج لنا أن أبا مخنف كتب روايته بعد سنة ١٣٢ ه مصححا أسماء المكان». والأمر المحير أن أبا مخنف يذكّر بما جد من تحويرات بطول المدة ، وذلك ما يفعله سيف ولكنه لا يستمر في الأمر.
(٣) انفرد أبو مخنف بهذا الخبر عندما وصف ثورة زيد (١٢٢ ه) : الطبري ، ج ٧ ، ص ١٨٦ ولعل الأمر يعني أن دور همدان تقدمت إلى المركز في عصر متأخر.
(٤) حدد ماسينيون مسلكها بين الجسر والقصر والكناسة لكنه وضع الكناسة بالغرب تماما وجعل طريق دمشق تنطلق منها : op.cit.,p.٥٤. ، وهو لم يذكر مصادره لكنه قال إنه اعتمد الأحداث التي جرت سنة ٦٦ ه. والملاحظ أن زيادا وجه نحو دمشق أصحاب حجر بن عدي الذين مروا بجبانة عرزم. الواقعة في خطة عبس قرب الكناسة فعلا : الطبري ، ج ٥ ، ص ٢٧٠.