الاستقرار العربي.
وضعية العراق قبل الفتح العربي
ساد الفرس على هذا البلد منذ ما يزيد على ألف سنة ، وكان قطرا معروفا بغرينه الثري ، واقتصاده المائي ، فكان حقا هبة دجلة والفرات. ورث الفرس نسق بابل للري في أساسه وقد ذكر الخطيب البغدادي أنهم لم يقوموا سوى بتحسينه فحفروا قنوات ثانوية ، لأن القنوات الرئيسية كانت سابقة لهم (١). لكنهم طبعوا البلاد بطابعهم فكانت التقسيمات الإدارية وتقسيم الأراضي تحمل أسماء فارسية وكانت تنسب إلى ملوك الفرس ، ولا سيما الساسانيين منهم (٢). ولقد أقام الملك عاصمة ملكه كله في المدائن (أو طيسفون). وكان عليه أن يعود صيفا إلى اصطخر المدينة المقدسة. والعراق بفضل ثرائه وموقعه الجغرافي ، وموارده البشرية وماضيه ، صار مركز الامبراطورية الفارسية في العهد الساساني. ومع ذلك ، فقد ظل متميزا عن الموطن الإثني الأصلي ـ أي فارس ذاتها ـ حيث كان للشعب المهيمن جذوره العميقة. وبالفعل فبعد تجاوز الحد الشرقي من حلوان ، كان النجد الإيراني يشرف بكامل ارتفاعه على الأراضي السفلية لبلاد الرافدين. وقد لجأت فلول جيش يزدجرد إلى هذا المكان ، بعد أن طردها العرب من العراق. وكان الخط الفاصل بشريا بين الشعوب السامية (٣) الناطقة بالآرامية ، من الأهالي الخاضعين أو النبط ، والشعوب الإيرانية وهي قوام السيطرة الساسانية ، كان هذا الخطّ يقع أسفل سفوح جبل زاغروس. ولكن على الرغم من أن العراق كان قطرا مفتوحا خاضعا مستغلا ، ولم يكن قطرا «قوميا» ، فهو مرتبط بالامبراطورية إلى درجة أنه لوضاع العراق لضاع كل شيء ، كما دلت عليه الأحداث فيما بعد ، خلافا لما وقع في الشام وفي الامبراطورية البيزنطية. لقد ميز العرب قطعا بين العراق ـ
__________________
(١) تاريخ بغداد ، ج ١ ، ص ٥٧. اقتبس المؤلف أخبارا عن الهيثم بن عدي بخصوص دور الأنباط في التشييد ولعلهم بنوا القنوات الكبرى لصراة ، وسورا ، ونهر الملك في حين أن الفرس لم يحفروا سوى كوثى ، والصراة الصغرى ، والنهروان.
(٢) قسم العراق في العهد الساساني إلى اثنتي عشرة ولاية ماليا وإداريا ، سميت أستان ، كانت ست ولايات منها تقع شرقي دجلة وتقع ست ولايات أخرى شرقي الفرات ومن أسمائها : شاد فيروز ، باجيزان خسرو ، شادبهمان ، أردشير بابغان ، بيهقباذ e Strange, The Lands of Eastern Caliphate, pp. ٩٧ ـ ١٨. ؛ وصالح أحمد العلي ، «منطقة الكوفة» ، سومر ، ١٩٦٥ ، المجلد ٢١ ، ج ١ و ٢ ، ص ٢٢٩ ـ ٢٥٣. Spuler, Handbuch der. Orientalistik, Brill, Leyden, ٩٥٩١, tII, ٢, p. ٣٢ ff
(٣) راجع حول آثار اللغة الأكادية في المصطلحات التقنية للري العربي [مسنّيتو الأكادية ـ مسناة العربية] ما كتبه Armas Salonen في : Orientalia, XXXII) ٣٦٩١ (, pp. ٩٤٤ ـ ١٥; Bosworth, JESHO, XII / ٢) ٩٦٩١ (, p. ٤٥١.