قال هشام بن العاص (١) :
بعثت أنا ورجل من قريش (٢) إلى هرقل صاحب الروم ، ندعوه إلى الإسلام ، فقدمنا الغوطة ـ يعني : دمشق ـ ونزلنا على جبلة بن الأيهم الغساني ، فإذا هو على سرير له ، فأرسل إلينا برسول نكلمه ، فقلنا : لا نكلم رسولا ، إنما بعثنا إلى الملك ، فإن أذن لنا كلمناه ، وإلا لم نكلم الرسول ، فأخبره الرسول بذلك ، فأذن لنا ، فكلمه هشام ودعاه إلى الإسلام ، وعليه ثياب سواد (٣) ، فقال له هشام : وما هذه التي عليك؟ قال : لبستها ، وحلفت ألا أنزعها حتى أخرجكم من الشام ، قلنا : ومجلسك هذا ، فو الله لنأخذنه منك ، ولنأخذن ملك الملك الأعظم إن شاء الله. أخبرنا بذلك نبينا صلىاللهعليهوسلم. قال : لستم بهم ، بل هم قوم يصومون بالنهار ، ويفطرون بالليل ، فكيف صومكم؟ فأخبرناه ، فملأ وجهه سوادا ، فقال : قوموا ، وبعث معنا رسولا إلى الملك.
[فخرجنا](٤). فلما كنا قريبا من المدينة قال لنا الذي معنا : إن دوابكم هذه لا تدخل مدينة الملك ، فإن شئتم حملناكم على براذين (٥) وبغال ، قلنا : لا والله لا ندخل إلا عليها ، فأرسلوا إلى الملك : إنهم يأبون (٦) ، فدخلنا على رواحلنا (٧) متقلدين سيوفنا حتى انتهينا إلى غرفة له ، فأنخنا في أصلها ، وهو ينظر إلينا ، فقلنا : لا إله إلا الله والله أكبر ، والله يعلم لقد تنقّضت (٨) الغرفة حتى صارت كأنها عذق تصفّقه الرياح ، وهو على فراش ، وعنده بطارقته من الروم ، وكل شيء في مجلسه أحمر ، وما حوله حمرة ، وعليه ثياب من الحمرة ، فدنوا
__________________
(١) رواه البيهقي في دلائل النبوة ١ / ٣٨٥ وما بعدها من طريق أبي عبد الله الحافظ أن عبد الله بن إسحاق البغوي أخبرهم قال حدثنا إبراهيم بن الهيثم البلدي قال : حدثنا عبد العزيز بن مسلم بن إدريس قال حدثنا عبد الله بن إدريس عن شرحبيل بن مسلم عن أبي أمامة الباهلي عن هشام بن العاص الأموي قال ، وذكره. ورواه أبو نعيم في دلائل النبوة ١ / ٥٠ رقم ١٣.
(٢) في دلائل أبي نعيم أن هشام بن العاص ونعيم بن عبد الله ورجلا آخر قد سماه ، بعثوا.
(٣) في دلائل أبي نعيم : سود.
(٤) استدركت عن هامش الأصل.
(٥) البراذين واحدها برذون ، وهي الخيل التركية.
(٦) تحرفت بالأصل إلى : يأتون ، والمثبت عن دلائل النبوة للبيهقي.
(٧) تحرفت في مختصر ابن منظور إلى : رواحنا ، والصواب عن دلائل النبوة للبيهقي.
(٨) تنقضت الغرفة أي تشققت وجاء صوتها ، وفي دلائل البيهقي : «تنفضت» وقد جاءت بالأصل في كل المواضع بالقاف ، وفي دلائل النبوة بالفاء.