فأطبق المصحف ، ولم يزل يبكي حتى ابتلّ لحيته وثوبه ، حتى رحمته من كثرة بكائه ، ثم قال لي : يا بني (١) ، تلوم أهل الرّي في قولهم : يوسف بن الحسين زنديق؟ ومن (٢) وقت الصلاة هو ذا أقرأ القرآن ، لم يقطر من عيني قطرة ، وقد قامت علي القيامة بهذا البيت :
وفي رواية :
قال : لما ورد على الجنيد رسالة يوسف بن الحسين ، اشتقت إليه ، فخرجت إلى الري ، فلما دخلتها سألت عنه ، فقالوا : إيش تعمل بذلك الزنديق. فلم أحضره ، فلما وقع في قلبي الخروج من الري ، قلت : لا بد أن ألقاه على أي حال ، قال : فحضرت بابه ، فلما دفعت الباب تغير عليّ حالي ، فدخلت عليه ، فإذا بين يديه رجل وعليه مصحف وهو يقرأ فيه ، فقال لي : من أين أنت؟ قلت من بغداد ، قال : لإيش جئت؟ قلت : جئت زائرا لك. فقال : أرأيت لو ظهر لك في بعض هذه البلدان التي جزت بها من يشتري لك فيها دارا وجارية ويقيم بكفايتك أكنت تقطع بذلك عني؟ قلت : يا سيدي ما ابتلاني الله بذلك ، ولا ابتلاني الله أنه ما كنت أدري كيف يكون ، قال : أقعد أنت عامل تحسن تقول شيئا؟ قلت : نعم. قال : هات ، قل شيء (٣) فقلت :
رأيتك تبني دائما في قطيعتي |
|
ولو كنت ذا حزم لهدمت ما تبني |
كأني بكم واللبث أفضل قولكم |
|
ألا ليتنا كنا (٤) إذا اللبث لا يغني |
قال : فبكى حتى رحمته ، فلما سكن ما به قال : لا يا أخي لا تلم أهل الري على أن يسموني زنديقا ، أنا من الغداة أقرأ في هذا المصحف ، ما خرجت من عيني دمعة ، وقد وقع فيما عنيت به ما رأيت.
قال يوسف بن الحسين :
أعزّ شيء في الدنيا الإخلاص ، وكم أجتهد في إسقاط الرياء عن قلبي ، فكأنه يلبث فيه على لون آخر.
__________________
كأني بكم واللبث أفضل قولكم |
|
ألا ليتنا نبني إذا الليث لا يغني |
(١) في الرسالة القشيرية : يا بني ، لا تلم أهل الري على قولهم عني زنديق.
(٢) في مختصر أبي شامة : «من» والمثبت عن تاريخ بغداد والرسالة القشيرية.
(٣) كذا.
(٤) في حلية الأولياء : نبني.