أحرى أن تعيده يا أمير المؤمنين ، قال : كلا (١) :
إذا انصرفت نفسي عن الشي لم تكد |
|
إليه بوجه آخر الدهر تقبل |
ثم قلت : يا أمير المؤمنين ، زدني في عطائي خمسة دنانير ، قال : ولم يا خالد؟ أحديث عبادة؟ أم فتحت لأمير المؤمنين فتحا؟ قلت : لا ، قال : إذا تكثر السؤال ، ولا يستطيع ذلك بيت المال ، قال : قلت : يا أمير المؤمنين ، إن ابن أبي جمعة (٢) يقول :
[إذا (٣) المال لم يوجب عليك عطاءه |
|
حقيقة تقوى أو خليل تخالقه](٤) |
منعت وبعض المنع حزم وقوة |
|
ولم يفتلتك (٥) المال إلّا حقائقه |
فقال : هو ذاك. فقيل لخالد : لم زيّنت له البخل؟ قال : ليقع المنع ، فتكثر اللوّام.
قال هشام (٦) : ما بقي علي شيء من لذات الدنيا إلا وقد نلته ، وما أتمنى إلا شيئا واحدا : أخ أرفع مئونة التحفظ فيما بيني وبينه (٧).
خرجت (٨) جارية لهشام بن عبد الملك ، وعليها درع من لؤلؤ ، فتحرش بها الأبرش الكلبي. قال (٩) : أتهبين لي هذا الدرع؟ فقالت : لأنت أطمع من أشعب (١٠) ، فقال هشام : وما (١١) أشعب؟ فجعلت تذكر له طرائف من طرائفه ، فقال للكاتب : اكتب إلى المدينة : يرفع أشعب إلينا ، فإن فيه ملهى ، فكتب الكتاب ، فلما قرأه هشام شقّه ، فقال الأبرش : مالك يا أمير
__________________
(١) البيت لمعن بن أوس بن نصر ، ديوانه ص ٩٣.
(٢) يعني كثير عزة ، والبيتان في ديوانه ص ١٣٢ ط. بيروت.
(٣) البيت التالي استدرك عن هامش الأصل.
(٤) عجزه في الديوان :
صنيعة قربى أو صديق تواقعه
(٥) في الديوان : «يفتلذك» وافتلت الشيء : أخذه بسرعة.
(٦) الخبر رواه الذهبي في سير أعلام النبلاء ٥ / ٣٥٢ نقلا عن العيشي ، وفي تاريخ الإسلام (١٢١ ـ ١٤٠) ص ٢٨٤ نقلا عن ابن أبي عائشة. وتاريخ الخلفاء ص ٢٩٦.
(٧) في سير الأعلام : أخ أرفع مئونة التحفظ منه.
(٨) رواه البلاذري في أنساب الأشراف ٨ / ٣٧٥ من حديث العمري عن الهيثم بن عدي ، وذكره.
(٩) العبارة في أنساب الأشراف : فقال : يا أبرش أهبها لك؟ قال : نعم يا أمير المؤمنين ، وهو يضحك ويغمز هشاما ، فقالت ـ وفطنت ـ : أنت والله أطمع من أشعب.
(١٠) هو أشعب بن جبير ، واسمه شعيب ، وكنيته أبو العلاء صاحب ملاحة ونوادر. انظر أخباره في الأغاني ١٩ / ١٣٥.
(١١) كذا بالأصل : وفي أنساب الأشراف : «من» وهو أشبه.