وصدقوه ، فمات يونس ولم يولّ أمرهم أحدا ، فاجتمع القوم فقالوا : مات رسول الله ولم يولّ أمرنا أحدا فمن أحق بهذا الأمر بعده. قال لهم أولو النهى : لا نعلم أحدا أحق بهذا الأمر من رسول رسول الله إليكم الذي بشركم ، فملكوا الراعي عليهم ، فملكهم أربعين سنة (١).
قال أبو الجلد (٢) :
إنّ العذاب لمّا هبط على قوم يونس (٣) جعل يحوم على رءوسهم مثل قطع الليل المظلم ، فمشى ذوو العقول منهم إلى شيخ من بقية علمائهم ، فقالوا : إنا قد نزل بنا ما ترى فعلّمنا دعاء ندعو به عسى الله أن يرفع عنا عقوبته. قال : قولوا : يا حي حين لا حي ، ويا حي تحيي (٤) الموتى ، ويا حي لا إله إلا أنت. قال : فكشف الله عنهم.
قال الفضيل بن عياض :
بلغني أنّ قوم يونس لما عاينوا العذاب قال رجل منهم : اللهم إنّ ذنوبنا قد عظمت وجلّت ، وأنت أعظم منها ، وأجلّ ، فافعل بنا ما أنت أهله ، ولا تفعل بنا ما نحن أهله. قال : فكشف الله عنهم العذاب.
قال أبو الحوراء :
كان العذاب قد أظل قوم يونس حتى كان فوق رءوسهم ، فلما دعوا الله كشف عنهم.
قال علي بن الجعد : حدّثنا شعبة عن عمرو بن مرة : سمعت عبد الله بن سلمة عن علي قال : لا ينبغي لأحد ـ قال علي بن الجعد : عن علي عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «لا ينبغي لعبد
__________________
(١) انظر تفسير القرطبي ١٥ / ١٣١.
(٢) رواه أحمد بن حنبل في كتاب الزهد ص ٤٤ بسنده إلى هاشم (أبي النضر الليثي) حدّثنا صالح (المري) عن أبي عمران الجوني عن أبي الجلد. ورواه السيوطي في الدر المنثور ٤ / ٣٩٣ قال : وأخرج أحمد في الزهد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي الجلد.
(٣) اختلفوا في العذاب ، قيل إنه لم يكن بينهم وبينه إلّا ثلثي ميل ، وقيل غشي قوم يونس العذاب كما يغشى القبر بالثوب إذا أدخل فيه صاحبه وأمطرت السماء دما.
راجع الدر المنثور للسيوطي ٤ / ٣٩٢.
وقال الطبري : خص قوم يونس من بين سائر الأمم بأن تيب عليهم بعد معاينة العذاب.
قال الزجاج : إنهم لم يقع بهم العذاب ، وإنما رأوا العلامة التي تدل على العذاب ، ولو رأوا عين العذاب لما نفعهم الإيمان.
(٤) في الزهد للإمام أحمد والدر المنثور : محيي الموتى.